محمد خضر الشريف
إطلاق لقب "الإمام الأكبر" على الشيخ الدكتور يوسف القرضاوى - وإن كان يستحقه بجدارة - هو لقب أخى الكريم الكاتب والداعية الشيخ الأستاذ عبد السلام البسيونى، وأطلقه عليه فى كتابه الجميل، الدسم والخفيف الظل، فى آن واحد، ذى العرض الطيب والأسلوب السلس والخبرة الطويلة والتجارب الواقعية التى عايشها مع شخصيات كتابه الذى يحمل عنوان: "علماء ومشاهير عرفتهم"، حيث خصص له فصلاً كاملاً تحت عنوان "الإمام الأكبر يوسف القرضاوى"..
ولولا خوفى من الاستطراد لسردت لكم ما كتبه المؤلف عن القرضاوى عن أخلاقه وعلمه وأدبه وفقهه وجهاده فى سبيل الدعوة إلى الله منذ عدة عقود طويلة، وصبره على الأذى فى الله، والأذى من خلق الله، وتواضعه وكرمه، وحفاوته بضيوفه وإكرامه لهم، وشعره الرائع الرائق، وعطفه على الفقير والمسكين وابن السبيل، ويكفى أنه جاء عامل بنجالى من فقراء خلق الله يطلب منه شيئًا يسيرًا من المال فأعطاه شيكًا به مبلغ لا يحلم به الرجل ولا أسرته..
تذكرت كل هذا وأنا أقرأ الهجوم على الشيخ القرضاوى من "العسكر"- هذه المرة من "عسكر الإمارات"، وليس عسكر مصر - على لسان قائد شرطة دبى (الخلفان)، وهو يثور ويخور فى كلام لم يخول بإلقائه فى حق الشيخ، ونم عن حقد دفين وسوء أدب مع مخاطبة العلماء فى فتوى رآها الشيخ ولم يسكت صوت الحق فيها بالنسبة لمسلمين سوريين عاملتهم الإمارات بما لا ينبغى أن يكون على الأقل، فى مثل هذا الوقت العصيب لو رجعوا فيه إلى بلادهم وطاغيتهم.
وأعذب ما سمعته دفاعًا عن القرضاوى واسمه وسمعته فى هذه المسألة الإماراتية، كان من الداعية الكويتى الكريم الدكتور طارق سويدان بمقولته: "إن تكلم العلماء فليسكت العسكر" وهو يوجه كلامه للخلفان الذى "شاط" فى الشيخ القرضاوى شوطة حاقدة حاسدة ماكرة.
وتذكرت كل هذا وأنا أستعرض تاريخ الرجل مع المناوئين له والمعاندين له والمسفهين لبعض فتاواه التى تراعى مصالح الأمة وتقديم المنفعة واستبعاد المفسدة ومراعاة طبيعة وظروف العصر ومراعاة فقه الواقع الذى لم يكن ينادى بها على حد علمى غيره من علماء المشرق والمغرب.. وأتذكر كتابه "الحلال والحرام" الذى ألفه عام 1960م فى الوقت الذى لم يكن أمثال هؤلاء قد ترك فطم عن ثدى أمه.
وعن نفسى أقول: يكفى القرضاوى صبره على من أذاه وتناول سيرته ولمزه أو همزه أو شكك فى عقيدته فلم يقابله بالمثل ولم ينزل لمستوى أحداث الأسنان الذى خالفوه الرأى جهلاً وحاربوه حقدًا وحسدًا، ولا حتى من المشايخ الكبار الذين ناصبوه العداء وشككوا فى عقيدته ظلمًا وعدوانًا ووصفوه باسمه مجردًا دون أن يضفوا عليه لقب الشيخ أو الدكتور، كما يفعل هو معهم حينما يخاطبهم أو يخاطب من هو أقل منهم.
لقد استمعت لدعاة وعلماء كبار وصغار و"متفيهقون" وأنصاف متعلمين وشباب بيض العقول، من مسحة علم، ناوءوه وناصبوه العداء بسبب خلافات فقهية تحدث منذ عصر الصحابة الأجلاء وستحدث إلى قيام الساعة، ومع ذلك كان جبلاً لا يهتز للرياح وهرمًا لا تؤثر فيه عوامل التعرية، ونهرًا دفاقًا بالخير والعطاء لا ينضب، ولا يبخل على مناوئيه ومعاديه، كما يتدفق بالخير لمحبيه ومناصريه ومتبعى منهجه..
أسمع بعضكم يتساءل: أليس للقرضاوى عيوب؟
وأجيب: نعم له عيوب، وأكبر عيوبه يجسدها زميلنا الكريم الكاتب عبد السلام البسيونى فى قوله: "أكبر عيوب القرضاوى أن عمره لا يسع همته وأنه يعامل بدنه ونفسه بكثير من القسوة والعفوان.. وأكبر عيوب القرضاوى أن مشاريعه أوسع من المتاح له، وتصوراته أبعد مدى من السنين المتبقية التى يسابقها بالجلد ومداومة العمل، وأكبر عيوب القرضاوى أن كثيرين ممن لم يقرأه ولم يقتربوا منه لم يفهموه، ولم يستوعبوا سعة واديه، وكثرة خير الله عليهم وقراءته للمستقبل البعيد.. وأكبر عيوبه أن التزاماته أكثر من أوقاته ومشروعاته أعظم من حدود المتاح، وأنه يحتاج مع عمره أعمارًا إضافية لكى يتمم ما يريد ويكتب ما يعرف ويواصل مع يتمنى وينفذ مشروعاته الخيرية والعلمية والدعوية والأكاديمية والجهادية".
جزى الله حبيبنا البسيونى كل الخير على دفاعه عن مصابيح الظلام وأقمار الزمان علمائنا ومشايخنا الكرام الأجلاء وهو يبيض ساحتهم ويعطر سيرتهم بسرده الماتع الشائق، بكل شىء عذب عنهم، وجزى الله الشيخ يوسف القرضاوى كل الخير وأعانه على تكملة رسالته التى نذر نفسه لها وأطال عمره فى الخير مع البركة فيه.. قولوا آمين.
........
- عن صحيفة المصريون، 15/3/2012م