د. يوسف القرضاوي
رغم أن الإسلام يكفل الحرية للأفراد في البيع والشراء والتنافس الفطري؛ فإنه ينكر أشد الإنكار أن تدفع بعض الناس أنانيتهم الفردية وطمعهم الشخصي إلى التضخم المالي على حساب غيرهم، والإثراء ولو من أقوات الشعب وضرورياته.
ومن أجل ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاحتكار بعبارات شديدة زاجرة. فقال: "من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ الله منه".
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ"، وليست كلمة خاطئ هذه كلمة هينة، إنها الكلمة التي دمغ بها القرآن الجبابرة العتاة فرعون وهامان وجنودهما فقال: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} (القصص:8).
وقد أبان النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسية المحتكر وأنانيته البشعة فقال: "بئس العبد المحتكر؛ إن سمع برخص ساءه، وإن سمع بغلاء فرح".
وقال: "الجالب مرزوق والمحتكر ملعون"؛ وذلك لأن انتفاع التاجر يكون بأحد وجهين: أن يخزن السلعة ليبيعها بثمن غال، عندما يبحث الناس عنها فلا يجدونها، فيأتي المحتاج الشديد الحاجة فيبذل فيها ما يطلب منه وإن فحش وجاوز الحد.
والوجه الآخر أن يجلب السلعة فيبيعها بربح يسير، ثم يأتي بتجارة أخرى عن قريب فيربح، ثم يجلب أخرى ويربح قليلًا وهكذا، وهذا الانتفاع أوفق بالمصلحة المدنية، وأكثر بركة، وصاحبه مرزوق كما بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الأحاديث الهامة في شأن الاحتكار والتلاعب بالأسعار؛ ما رواه معقل بن يسار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أثقله المرض فأتاه عبيد الله بن زياد (الوالي الأموي) يعوده فقال له: هل تعلم يا معقل أني سفكت دمًا حرامًا؟ قال: لا أعلم. قال: هل علمت أني دخلت في شيء من أسعار المسلمين؟ قال: ما علمت. ثم قال معقل: أجلسوني فأجلسوه ثم قال: إسمع يا عبيد الله حتى أحدثك شيئًا ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ولا مرتين؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم؛ كان حقًا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة"، قال: أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: غير مرة ولا مرتين.
ومن نصوص هذه الأحاديث وفحواها استنبط العلماء أن تحريم الاحتكار مشروط بأمرين: أولهما: أن يكون ذلك في بلد يضر الاحتكار بأهله في ذلك الوقت. وثانيهما: أن يكون قصده بذلك إغلاء الأسعار على الناس ليضاعف ربحه هو.
.....
- المصدر: "الحلال والحرام في الإسلام" لسماحة الشيخ.