مركز المرأة في الحياة الإسلامية

تحميل الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ،أما بعد:

فكثيرًا ما قيل: إن المرأة نصف المجتمع، ولا ينبغي للمجتمع أن يهمل نصفه أو يعطله أو يظلمه ويهضم حقوقه.

وهذا صحيح، وربما قيل: إن المرأة نصف المجتمع في العدد، ولكنها أكثر منه في التأثير، فإنها تؤثر - بالإيجاب أو السلب - في زوجها وفي أبنائها، حتى قال شاعر النيل:   الأم مدرسة إذا أعددتها     أعددت شعبًا طيب الأعراق

ومن أجل ذلك اهتم العلماء والمفكرون، والزعماء والمصلحون، والدعاة والمربون - بقضية المرأة، ودعوا إلى إنصافها وتكريمها، ورفع الظلم والتعسف عنها، حتى تنال حقها في التعلم والعمل وتحمل المسؤولية، والزواج ممن ترضى.

ولم يكتف بعضهم بذلك، فأراد أن يعطيها الحق في الإباحية الجنسية، والشذوذ الجنسي، والزواج بالمثل، والإجهاض بغير ضرورة، والتمرد على الأسرة، والخروج على الدين وقيمه، والمجتمع وأعرافه، وهذا ما سعى إليه مؤتمر المرأة الذي انعقد أخيرًا في بكين «سبتمر 1995م» وتكلمت عنه وثيقته التي أثارت جدلًا طويلًا في العالم الإسلامي، بل والعالم المسيحي أيضًا.

ونحن المسلمين عندنا وثيقة إلهية قد كرمت المرأة أيما تكريم، وأنصفتها أعظم إنصاف، وأنقذتها من ظلم الجاهلية وظلامها، هذه الوثيقة هي القرآن الكريم، الذي كرَّم المرأة وأنصفها إنسانًا، وكرَّمها وأنصفها أنثى، وكرَّمها وأنصفها بنتًا، وكرَّمها وأنصفها زوجةً، وكرَّمها وأنصفها أمًا، وكرَّمها وأنصفها عضوًا في المجتمع..

وإن كنا نعلم أن بعض المسلمين ظلموا المرأة في عصور شتى وحرموها حقها في التفقه في الدين، والعمل في الدنيا، وحرموها ما قرره لها الشرع من الذهاب إلى بيوت الله، للتعبد أو التعلم، وأجبروها على الزواج ممن تكره، وفرضوا عليها أن تظل عمرها حبيسة دارها. ولكن هذا كان في غيبة الوعي الديني الصحيح، ولم يكن أمرًا عامًا، بل كان هناك من المسلمين من يرفضه كما رأينا ذلك في القرى والريف.

وموقف الإسلام هذا هو ما توضحه هذه الرسالة حول المرأة، وإن كنا قد عنينا بقضايا المرأة والأسرة في كتبنا من قبل، وبخاصة: "الحلال والحرام"، و"فتاوى معاصرة" في جزئيه الأول والثاني.

فعسى أن يجد القارىء في هذه الصحائف شعاعًا من نور يضيء له الطريق إلى معرفة الحق في هذه القضية الخطيرة بين إفراط الغلاة، وتفريط المقصرين.

وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.

أ. د. يوسف القرضاوي