فقه الصيام
مقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من أرسله الله بالهدى ودين الحق، رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، سيدنا وإمامنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه الصحائف التي أقدمها عن "فقه الصيام" جزء من مشروع كبير، عقدت العزم عليه من سنين طويله، وأعلنت عنه فيما هو تحت التأليف من كتبي، وهو "تيسير الفقه" أو "الفقه الميسر"، وهو أيضًا جزء من مشروع أكبر هو: "تيسير الثقافة الإسلامية للمسلم المعاصر" يشمل فيما يشمل: علوم القرآن، والحديث، والتفسير، والسيرة النبوية، والعقيدة، والأخلاق، والتصوف، وغيرها مما لا يسع المسلم المعاصر جهله من علوم الإسلام الأصلية.
وقد كنت كتبت في "تيسير الفقه" أبوابًا متفرقة، وانتظرت حتى أبدأ الموضوع من أوله، على ما هو المعتاد من كتابة الفقه، مبتدئًا ببعض الأصول والقواعد الممهدة، ثم أشرع في الطهارة والصلاة، ولكن واجب الوقت يفرض نفسه دائمًا، والظروف لتي يعيشها عالمنا الإسلامي، تشغلنا بأمور آنية لا نستطيع الفكاك منها، فنحن في معارك فكرية متلاحقة مع خصوم الإسلام في الداخل والخارج، ولابد من مواجهة القوى المعادية لديننا ولصحوته وأمته. وهذا ما أخرني عن الوفاء بما وعدت من كتب لم يقدر لي إتمامها منذ سنين.
والمشكلة التي أعانيها ويعانيها أمثالي ما عبر عنه الإمام الشهيد حسن البنا بقوله: "الواجبات أكثر من الأوقات". فليس لنا إلا أن نسأل الله أن يرزقنا البركة في الوقت، مع الصحة والتوفيق والعون منه سبحانه، فما أصدق ما قال الشاعر:
إذا لم يكن عونًا من الله للفتى ** فأول ما يجني عليه اجتهاده!
وكم أرسل إلي أخوة أحبة من أقطار شتى يستنجزوني ما وعدت به، حتى قال لي أخ سوداني كريم يلاحقني بالرسائل -جزاه الله خيرًا: إلى متى تؤخر تنفيذ ما وعدت به؟ وهل تضمن عمرك؟ واقترح علي بعض الأخوة اقتراحًا لم أجد من الاستجابة إليه بدًا، وهو أن أنشر ما أنجزه بغض النظر عن الترتيب والتسلسل، فهذا يأتي فيما بعد.
وهأنذا أبدأ بـ "فقه الصيام" وإن كان ينبغي أن يسبقه "فقه الطهارة والصلاة"، وكذلك "فقه الزكاة" أيضًا، مرجئًا التقديم للموضوع كله، ومنهجي فيه، إلى الجزء الأول، الذي أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يكرمني بفضله ويمدني بروح من لدنه، حتى أكمله، وأكمل بقية الأجزاء، وأن يمنحني الإخلاص في القول والعمل والنية، وأن يرزقني الصواب فيما اجتهدت فيه، ولا يحرمني من الأجر إذا أخطأت.
اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
الفقير إلى عفو ربه
د. يوسف القرضاوي
الدوحة: رجب 1410هـ
فبراير 1990م