السؤال: دق جرس الهاتف، فكانت مكالمة من أحد الأصدقاء، يسوق إلي فيها خبرًا آلمني وأزعجني، ورآني أهلي وأولادي، فأخبرتهم الخبر فاغتموا لغمي، وما هي إلا ساعة زمن، حتى اتصل الصديق نفسه مرة أخرى، ليبلغني أن الخبر لا أساس له. وإنما هي كذبة أول نيسان (إبريل) فقلت له: إن هذا حرام ولا يجوز، لكنه قال: لم يقصد إلا المداعبة والمزاح على عادة الناس في مثل هذه المناسبة.
فما رأيكم في مجاراة مثل هذا التقليد، وتكدير الناس بأخبار غير صحيحة، وإن كان المقصود منها المداعبة؟ وهل يسوغ مثل هذا العمل شرعًا؟
جواب سماحة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الكذب خلق سيء، ورذيلة من أعظم الرذائل التي يراها الشرع الإسلامي مجافية للإيمان، ويعتبرها إحدى آيات النفاق.
ولم يجز الشرع الكذب إلا في حالات معينة ذكرناها في فتوى سابقة، وليس منها الكذب للمداعبة.
بل حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب لإضحاك القوم، فقال: "ويل للذي يُحدِّث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له..". (رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي)
وفي حديث آخر: "لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاحة، والمراء (الجدل) وإن كان صادقًا". (رواه أحمد والطبراني)، كما جاء أكثر من حديث نبوي يحذر المسلم من ترويع أخيه وإزعاجه، جادًا أو مازحًا.
وروى أبو داود بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه، فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا".
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرة فخفق (نعس) رجل على راحلته، فأخذ رجل سهمًا من كنانته، فانتبه الرجل، ففزع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجل أن يروِّع مسلمًا". (رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات)
وعن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبًا ولا جادًا". (رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب)
واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الخيانة أن تكذب على من يثق بك، ويصغي إليك بأذنه وقلبه، وأنت تكذب عليه. يقول: "كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو به مصدق وأنت له به كاذب". رواه أحمد والطبراني عن النواس بن سمعان بإسناد جيد كما قال الحافظ العراقي وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود من حديث سفيان بن أسيد وضعفه ابن عدي.
وبهذا يتبين لنا أن الكذب بهذه الصورة، وبهذه المناسبة خاصة حرام من جهات أربع:
الأولى: حرمة الكذب ذاته، الذي نهى عنه القرآن والسنة.
الثانية: ما وراءه من ترويع إنسان، وإدخال الفزع والكدر عليه ساعة من الزمن، وربما على أسرته معه، بغير مسوغ ولا حاجة.
الثالثة: ما فيه من خيانة لإنسان هو لك مصدِّق، وأنت له كاذب.
الرابعة: مجاراة عادة سخيفة، وإشاعة تقليد باطل، لم ينبت في أرضنا، ولم ينشأ من بيئتنا. فهو تشبيه بغير المسلمين فيما يعد من رذائلهم، وسخف أعمالهم.
وكثيرًا ما تتضمن كذبة ذلك اليوم إشاعات قد يضر انتشارها بالمجتمع كله.
والخلاصة أن الكذب حرام في كل يوم، وتزداد حرمته في ذلك اليوم خاصة؛ لما ذكرنا من اعتبارات، فلا يليق بمسلم المساعدة على ترويج هذا الزور، والله الموفق.