السؤال: أود أن تتفضلوا بالإفادة عن حكم الشريعة الإسلامية في الشخص المسلم الذي يتعامل مع أعداء دينه ووطنه معاملات تجارية أو اقتصادية أو غيرها تعود بالنفع على العدو، سواء كان ذلك في وقت السلم أو في وقت الحرب.

جواب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لا شك أن المسلم مأمور بمجاهدة أعداء دينه ووطنه، بكل ما يستطيع من ألوان الجهاد، الجهاد باليد، والجهاد باللسان، والجهاد بالقلب، والجهاد بالمقاطعة.. كل ما يضعف العدو ويخضد شوكته يجب على المسلم أن يفعله، كل إنسان بقدر استطاعته، وفي حدود إمكانياته، ولا يجوز لمسلم بحال أن يكون ردءاً أو عونًا لعدو دينه وعدو بلاده، سواء كان هذا العدو يهوديًا أم وثنيًا .. أو غير ذلك فالمسلم يقف ضد أعدائه الذين يريدون أن ينتقصوا حقوقه وينتهكوا حرماته بكل ما يستطيع.

وكل من والى أعداء الله وأعداء الدين وأعداء الوطن فهو منهم، كما قال الله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة:51) أي من كان مواليًا لهم بقلبه أو بلسانه أو بمعاملته أو بماله، أو بأي طريقة من الطرق أو أسلوب من الأساليب فهو منهم.. يصبح في زمرتهم.. وهذا ما حذر القرآن منه في أكثر من سورة، وفي أكثر من آية، جعل الذين يتولون الكفار جزءاً منهم وبعضًا منهم.. {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} (الأنفال:73).

والمسلم لا يوالي الكافر، والبر لا يوالي الفاجر، فإذا والاه كان دليلًا على نقص إيمانه، أو على زوال إسلامه والعياذ بالله، فهو نوع من الردة، ولون من المروق عن الإسلام، المفروض أن المسلم إذا لم يستطع أن يجاهد أعداءه بالسيف؛ فعلى الأقل يجاهدهم بالمقاطعة، لا يتسبب في أن ينفعهم اقتصاديًا أو ماديًا أو تجاريًا؛ لأن كل دينار أو كل ريال أو كل قرش أو كل روبية تذهب إلى العدو؛ معناه: أنك أعطيتهم رصاصة أو ثمن رصاصة تتحول بعد ذلك إلى صدر مسلم وإلى قلب مسلم..

ومن هنا كان اليهود حينما يجمعون تبرعات في أمريكا وفي غيرها كان شعارهم لافتة معروفة: ادفع دينارًا تقتل عربيًا. فالمال هو الذي يشتري السلاح الذي يقتل.. وهكذا.. أنت إذا عاونت مشركًا أو كافرًا أو فاجرًا يحارب المسلمين، فأنت بذلك تقتل نفسًا مسلمة، وهذه كبيرة من الكبائر العظمى، {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة:32)، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء:93).

فالمفروض في المسلم ألا يكون مع أعدائه أبدًا، مهما أظهروا من حسن النوايا، فهذا كذب - يقول الله تعالى: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} (الجاثية:19)، {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة:51)، ويقول: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} (المائدة:82)، فلابد أن نعرف هذا جيدًا، وأن يكون كل مسلم مع أمته الإسلامية، ومع دينه.. وهذا أقل شيء.. وهو أمر فطري في الأمم.. فالإنسان إذا حارب سواه، لا يحاربه بالسلاح فقط، بل بأكثر من ذلك.. بالمقاطعة.

المشركون حينما أرادوا في مكة أن يحاربوا النبي صلى الله عليه وسلم؛ أول ما حاربوه، لم يكن حرب السلاح، وإنما كانت حربًا اقتصادية، بالمقاطعة.. قاطعوه وأصحابه، وأهله، ممن انتصروا، من بني المطلب وبني هاشم.. حاصروهم، وقاطعوهم، ولم يبيعوا لهم ولم يشتروا منهم، ولم يزوجوهم، ولم يتزوجوا منهم، وذلك معناه: الحرب الاقتصادية، معناه الإعداد.. فهكذا.. وهؤلاء مشركون.. فالمسلمون أولى بأن يعرفوا ذلك وأن يقاطعوا كل عدو لله، وكل عدو للمسلمين، وكل من خرج على ذلك فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين.