السؤال: توفي رجل مع ابنه في حادث ولم يُدْر أيهما مات أوّلاً، وترك كل منهما زوجة حاملاً، كما ترك الأب أخًا وأمًا، وترك الابن أختًا شقيقة وأخًا شقيقًا وبنتًا، فكيف توزع التركة؟ حفظكم الله من كل مكره وسوء.

جواب سماحة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

اختلف الفقهاء في حكم من ماتوا في الحوادث كالغرق أو الحريق أو الزلزال أو انهيار العمارات والمنازل ونحوها، ومثلهم من ماتوا في الحروب وكانوا ممن يرث بعضهم بعضا، كالأب وأولاده، والزوج وزوجته، والأخ وإخوته، وأمثالهم، ولم يعرف منهم من مات قبل الآخر.

فقال بعض الفقهاء -وهو المشهور عن الإمام أحمد بن حنبل- يرث بعضهم من بعض.

قال الشعبي: وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم، فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب عمر: أن ورثوا بعضهم من بعض (1).

وذهب جمهور الفقهاء إلى قول آخر، أراه هو الراجح، وينبغي أن يُعتمد في الفتوى، وهو ما روي عن أبي بكر الصديق وزيد وابن عباس ومعاذ والحسن بن علي رضي الله عنهم: أنهم لم يورّثوا بعضهم من بعض، وجعلوا تركة كل واحد للأحياء من ورثته.

وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو الزناد والزهري والأوزاعي ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه، ويروى ذلك عن عمر، والحسن البصري، وراشد بن سعد، وحكيم بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، قال ابن قدامة: وروي عن أحمد ما يدل عليه (2).

واحتج أصحاب هذا القول الذي نرجحه بما رواه سعيد بن منصور في سننه قال: حدثنا إسماعيل ابن عباس عن يحيى بن سعيد: أن قتلى اليمامة، وقتلى صفين والحرة، لم يورّثوا بعضهم من بعض، وورثوا عصبتهم الأحياء.

وذكر بسنده عن أبي جعفر الباقر: أن أم كلثوم بنت علي -امرأة عمر- توفيت هي وابنها زيد ابن عمر، فالتقت الصيحتان في الطريق، فلم يُدْرَ أيهما مات قبل صاحبه، فلم ترثه ولم يرثها، وأن أهل صفين وأهل الحرة لم يتوارثوا (3). قالوا: ولأن شرط التوريث حياة الوارث بعد موت الموروث، وهو غير معلوم، لا يثبت التوريث مع الشك في شرطه (4).

وإذن تكون الفتوى في قضيتنا: أن الأب وابنه -اللذين ماتا في الحادث معًا- لا يرث أحدهما من الآخر، وإنما يرث كلا منهما الأحياء من ورثته. فلو لم تكن زوجة الأب حاملاً، لورثته زوجته، حيث نصيبها الربع، لعدم الولد، وورث الأب أخوه وأمه، فالأم لها الثلث، والباقي للأخ باعتباره عصبة.

أما وقد ترك كل منهما زوجته حاملاً، فتعطى كل زوجة الثمن، وهو الحد الأدنى لما يمكن أن تستحقه، وأعطيت أم الأب السدس، وهو أدنى ما تستحقه، ويوقف نصيب الأخ، حتى تضع الزوجة، فإنه لا شيء له إذا ولدت ذكرًا أو أكثر، فإما إذا ولدت أنثى أو أكثر، فإن له ما بقي بعد أصحاب الفروض باعتباره عصبة.

وإذا لم تضع زوجة الأب مولودًا حيًا، فإنها تستكمل نصيبها وتأخذ الربع بدل الثمن، وتأخذ الأم الثلث بدل السدس، ويأخذ الأخ ما بقي من التركة بوصفه عصبة للميت.

وأما بالنسبة للابن المتوفى، الذي ترك بنتًا، وأخًا شقيقًا، وأختًا شقيقة؛ فإذا أمكن معرفة ما في بطن الزوجة بوساطة الأجهزة الحديثة: أهو واحد أو أكثر، أهو ذكر أو أنثى؟ وعُرف ذلك على وجه اليقين، فيمكن التصرف في الميراث على أساس ما في البطن، فإذا كان الجنين ذكرًا واحدًا تقتسم البنت مع أخيها المنتظر -بعد أن أخذت أمهما الثمن- باقي التركة، للذكر مثل حظ الأنثين، وكذلك لو كان الجنين متعددًا، (ذكرين، أو ذكر وأنثى) يكون للذكر مثل حظ الأنثين على سبيل التعصيب، ولا شيء في هذه الحالة للأخ الشقيق، والأخت الشقيقة للميت، فقد حُجبا بالابن الذكر.

ويمكن إعطاء البنت نصيبها المفروض لها من الإرث، وإما إذا كان الجنين أنثى؛ فإنها تأخذ مع أختها ثلثي التركة، مع أخذ الأم الثمن، فيبقى للأخ الشقيق وأخته ما بقي من التركة، وهو: 24, 5 يؤخذ بطريق التعصيب، ويمكن إعطاء كل منهم نصيبه قبل الولادة.

وهذا كله بشرط أن تضع المرأة مولودها حيًا، فإن لم يحدث ذلك؛ قُسمت التركة على الأحياء، وإذا لم يمكن معرفة ما في بطن الزوجة الحامل، كأن تكون في بادية أو قرية بعيدة، أو بلد مختلف، أو لم يرض الورثة بتصوير الأجهزة الحديثة؛ فيوقف نصيب الحمل، على اعتبار أن يكون ذكرين، ويعطى للورثة الموجودين على هذا الأساس، وبعد الولادة تقسم التركة التقسيم النهائي وفق أحكام المواريث. والله أعلم

.....

(1) رواه البيهقي في (السنن الكبرى: 6/ 222) وكان ذلك سنة 18هـ بناحية الأردن.

(2) المغني: 9/ 170،171 طبعة دار هجر.

(3) السنن لسعيد بن منصور: 1/ 86. وانظر: السنن الكبرى للبيهقي: 6/ 222.

(4) انظر: المغنى لابن قدامة: 9/ 172،173.