الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
(أما بعد)
فقد سعدت منذ سنوات بمعرفة الابن النجيب، والأخ الحبيب، الأستاذ مجد مكي، الذي أعجبت به وأحببته من أول لقاء، فقد رأيت فيه ـ على حداثة سنه يوم رأيته ـ قارئًا نهما، مشغوفًا بالكتب، مطلعًا على المصادر، مميزًا بينها، عالمًا بخصائصها، عارفًا بالأصيل والثانوي منها، محبًا للعلماء، وخصوصًا المتميزين منهم، ساعيًا إلى التعرف عليهم، والاقتراب منهم، والتأسي بهم، والانتفاع بما عندهم من علم وعمل. ولا سيما علماء الشام الأعلام، أمثال العلامة الفقيه مصطفى الزرقا، والعلامة الأديب علي الطنطاوي حفظهما الله، والعلامة المحدث عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله.
لقد وجدت عند هذا الشاب النابه مالم أجد في كثيرين من الشباب الذين تخرجوا في الكليات الشرعية، والجامعات الدينية، من عقل متفتح، وبصيرة نيرة، ودأب في البحث، وصبر على التحصيل، وحسن اختيار لما يقرأ ويحصل، وقد قيل: أخبرني ماذا تقرأ، أخبرك من أنت؟
هذا مع أدب جم، وخلق كريم، وتواضع محمود، لا يدّعي ولا يتباهى، ولا يثني عطفه تيهًا وفخرًا، بل كاد يود أن يظل مغمورًا، لا يعرفه إلا أهل العلم.
ولطالما ألححت عليه أن يكتب وينشر بعض علمه على الناس، إذ لا يجوز له أن تكون لديه هذه الكنوز الثمينة من المعرفة ثم يخبؤها في صدره أو في خزانته، ولا تنتفع الأمة بها، في حين نرى أناسًا لا يملكون بعض ما يملك من أدوات العلم، يطلعون علينا كل يوم، بما لا يسمن من شبع، ولا يغني من جوع.
ولكن الشيخ مجدًا ـ حفظه الله ـ شأنه شأن أهل العلم الأصلاء، كان يتهيب هذا الموقف: أن يخرج على الناس بكتاب أو مقالة لم تنضج على نار هادئة، ولم تأخذ حقها من العناية فكرة وعرضًا وأسلوبًا.
ولهذا رحبت بهذا الكتاب الذي كتبه الشيخ مجد في (أركان الإيمان) وقد عرفت من مقدمته: أنه سبقه كتابان في نفس الموضوع: غراس الإيمان، وأصول الإيمان. وكلها كتب دراسية ألفت لتدرّس في بعض المعاهد الشرعية في المراحل المختلفة. وهذا الكتاب ألّف للمرحلة الثانوية.
والحقيقة أني وجدت الكتاب جامعًا شاملاً لكل أركان العقيدة الستة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر، بل زاد على ذلك بعض الفروع في العقيدة التي شعر المؤلف بحاجة الطالب إلى معرفتها، مثل سؤال القبر ونعيمه وعذابه، ومثل أشراط الساعة، و التفصيل في ذكر الجنة وألوان نعيمها، والنار وعذابها.
وقد راعى المؤلف ما ينبغي أن يراعى في هذا التأليف المدرسي، من حيث وضوح الفكرة، وحسن العرض، وسلاسة الأسلوب، وجودة التقسيم والتبويب، وتوثيقه بالأدلة العقلية والشرعية،ووضع العناوين الجانبية المعينة على حسن الفهم، وختم كل درس بأسئلة مناسبة له. بل أضاف إلى ذلك ذكر توجيهات نافعة للمدرسين، هي ثمرة معرفة وخبرة وتجربة ولا شك.
كما اهتم المؤلف الكريم ببيان أثار العقائد الإسلامية في النفس والحياة أو في الفرد والمجتمع، مثل أثار التوحيد،والإيمان بالآخرة، والإيمان بالقدر وغيرها. كما بدأ كتابه ببيان أوجه الحاجة إلى العقيدة.
وعني كذلك ببيان خصائص العقيدة الإسلامية ومزاياها على غيرها من العقائد الدينية والأيديولوجية الوضعية المختلفة، التي عرفها الناس.
وقد أحسن المؤلف ـ سدده الله ـ حين جعل عمدته ومرتكزه الأول: القرآن الكريم، لأن أسس العقائد ثابتة بالقرآن، فلا تكاد تحلو صفحة من الكتاب ألا وفيها آية أو أكثر، ثم ما لابد منه من صحاح الأحاديث وحسانها، بما يزيد الأمر وضوحًا.
وهو كذلك قد أحسن الاستفادة من المراجع العلمية قديمها وحديثها، واقتبس منها في مواضع جمة، وأجاد الاقتباس. وهذا يدل على مدى هضمه وتمثله لما قرأ، وإنصافه في نسبة الأقوال إلى أربابها، وإن كان هناك كثيرون للأسف، يسرقون الأفكار، بل العبارات بنصها، ولا يعزونها إلى أهلها، وقد قال سلفنا رضي الله عنهم: من بركة القول أن ينسب إلى قائله.
لقد أخرجت أرض حلب الشهباء، نبتًا طيبًا، وعالمًا جديدًا، يرجى أن يكون له مكانه وتأثيره وأثماره، وإيتاء أكله في ساعة العلم والدعوة، وأنه لذلك لأهل.
{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ}[الأعراف:58]، شكر الله لأخينا الشيخ مجد، وسدد قلمه في خدمة العلم والدعوة إلى الإسلام، بلسان عصري مبين {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت:33]
الفقير إلى عفو ربه
يوسف عبد الله القرضاوي
الدوحة غرة المحرم 1419هـ - 28 إبريل 1998