الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.

(أما بعد)

فلا شك أن فكرة الدستور فكرة ملازمة لقيام أي دولة تريد لنفسها الرقي والتقدم، وهذا ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته من مكة المكرمة إلى المدنية المنورة، وهو ما عُرِف في السيرة النبوية بـ(الصحيفة).

وفي العصور الأخيرة كان السلطان عبد الحميد هو أول من أنشأ دستورًا في البلاد الإسلامية، وذلك في عام 1907م، ووجه بعدها بعامين سؤال إلى العلامة: رشيد رضا، فأفتى بأن مثل هذه الدساتير يدخل في قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:83].

وفي إبريل من عام 2004م قام الشعب القطري بالموافقة على الدستور الجديد، وقد ذكرت في حينها رأيي في هذا الدستور، ونشرته الصحف القطرية، وأبديت ما لي من ملاحظات على بعض فقرات هذا الدستور. وإن كان الدستور في مجمله يقوم على احترام الشريعة الإسلامية، ويوجب على الأمير والوزراء، والمجلس النيابي أن يقسموا على احترامها.

وقد جاء إلينا الابن العزيز الأستاذ: محمد بن سالم اليافعي بكتاب أسماه (حتى تبحر السفينة بأمان) يريد من خلاله أن يركز على الجوانب الإيجابية والشرعية في الدستور والقانون، ومن خلالها يقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي طريقة جديرة بالتنويه والتقدير، لإدراكه أن أثر القانون في نفوس الناس أكبر وأقوى في كثير من الأحيان من غيره، وهذا ما أشار إليه عثمان بن عفان حين قال: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن[1].

وقد جاءت طريقة هذا الكتيب في شكل رسائل موجهة إلى طوائف مختلفة، يرسل إليها ما يخصها من الدستور، فهناك رسالة إلى الشباب حتى يبتعدوا عن مظاهر الخنا ويتجنبوا مواضع الفجور. ورسالة إلى التجار حتى يتجنبوا الغش والتدليس.

وثالثة إلى الصحافة ومكاتب الدعاية حتى لا يساعدوا على نشر ما يسيء إلى تعاليم الإسلام أو ما علم من الدين بالضرورة، أو النيل منه. ورابعة إلى ضيوف قطر حتى يلتزموا بالنظام العام والآداب العامة التي يقوم عليها الدين الإسلامي.

وخامسة إلى أعضاء مجلس الشورى والجهات المسؤولة عن تنفيذ القوانين حتى لا يتوانوا في تنفيذ هذه القوانين والجد في العمل بها ... وهكذا.

وأخيرًا: فأهيب بكل غيور يعيش على أرض قطر أن يلتزم بما جاء في هذا الدستور مما يتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية، والله من وراء القصد، وهو نعم المولى ونعم النصير.

أ.د: يوسف القرضاوي


[1] - ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/416).