محمد يوسف عدس

(١) أنهيت مقالا سابقا لى بعنوان: "العلمانيون والشريعة" بعبارة مقتبسة من أستاذنا الشيخ يوسف القرضاوي يؤكد فيها حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها وهى: أن التزام المسلمين بهذه الشريعة قرونا جعلهم يبدعون و يقيمون حضارة وينشئون علوما وثقافة ويقيمون مدنا وصناعة وزراعة.. ولم تكن حضارتهم مثل باقى الحضارات التى ظهرت فى تاريخ الإنسانية.. فقد كانت بشهادة مفكرى العالم أول حضارة قامت على أساس من الحرية والعدل والمساواة لكل البشر، وعلى القيم الأخلاقية الخالدة.. ولم تكن حضارة استئصال ولا استعباد ولا استغلال...

وفى هذه المقالة نمضى مع الشيخ فى تفنيده لمزاعم العلمانيين حول تطبيق الشريعة الإسلامية.. ولنرى معًا كيف يُعرِّى تناقضاتهم الفكرية.

(٢) التجارب التاريخية لتطبيقات الشريعة: يُصِرّ العلمانيون على أن التطبيق المثالي للشريعة لم يستمر بعد الرسول إلا سنواتٍ قليلةٍ فى عهد الخليفتين: أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب.. ثم يضيفون إلى هذا أن ما اتّسم به حكم هذين الخليفتين قد اكتسب مثاليّته لا من الشريعة، ولكن من عبقريتهما الشخصية التى لم تتكرر بعد ذلك فى تاريخ الإسلام .. ومعنى هذا -فى زعم العلمانيين- أن تاريخ الإسلام الحقيقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد اقتصر على فترة العبقريِّيْن: أبو بكر وعمر بن الخطاب، وبعدهما لا شيء.. بل بلغت بهم المغالاة إلى حدِّ أنهم قصروا تاريخ الإسلام الصحيح على شخصية عمر بن لخطاب...!!

وهكذا يصل العلمانيون إلى هدفهم النهائي وهو تأكيد مزاعمهم أن ما أصاب فيه الحكام المسلمون على مر العصور يرجع إلى عبقريتهم المتفرّدة لا إلى الإسلام.. وما أخطأ فيه غيرهم يرجع إلى طبيعة ألإسلام نفسه.

(٣) فى هذا السياق يرصد الشيخ للعلمانيين مغالطات ثلاثة: المغالطة الأولى: إختزال عهد الراشدين كله فى الخليفة الثانى عمربن الخطاب وحده، وهوجهل فادح... المغالطة الثانية: الإدعاء بأن عمر كان فلتة لم تتكرر؛ وهو إنكار مرذول لحقائق التاريخ؛ فقد رأينا النموذج العمري يتكرر فى عصور مختلفة: فى عمر بن عبد العزيز، وفى سيرة يزيد بن الوليد، وفى نور الدين محمود.. فى جهاده للصليبيين وتصميمه على تطهير المجتمع من الظلم والفساد ، وفى صلاح الدين الأيوبي الذى اعترف به أعداؤه الصليبيون وأشادوا بشخصيته وأخلاقه... والمغالطة الثالثة: التعميم الذى لا يستند إلى دليل، بإطلاق الحكم على جميع خلفاء بنى أمية، وبنى العباس، والعثمانيين (الأتراك)، وسلاطين الماليك فى مصر والشام، وملوك المرابطين والموحّدين فى المغرب، وسلاطين المغوال فى الهند، وغيرهم.. بأنهم كانوا جميعا ظلمة وفجرة ومنحرفين عن عدل الإسلام ونهج الإسلام.. لكن يرى الشيخ القرضاوي: "أن هذا التعميم فى الحكم ظلم بيّن لا يعبّر عن الواقع التاريخى، فقد كان كثير منهم ممن اتّصف بالعدل وحسن السيرة، خصوصا إذا قُورنوا بغيرهم من حكام العالم فى زمانهم..."

(٤) مصادر العلمانيين: كان لا بد للشيخ من أن يتطرق إلى نقطة هامة فى دراسته.. وقد فعل.. حيث كشف عن المصادر الحقيقية للعلمانيين.. وتبيّن له أنهم عاجزون عن الاتصال بكتب العلماء والفقهاء المسلمين، سواء منهم القدامى أو المحدثين ، إنما يرددون المقولات الشائعة فى كتابات المستشرقين، التى تتمثل فيها العصبية الصليبية وكراهية الإسلام؛ فتعصُّباتُ المستشرقين وافتراءاتُهم هى المصدر الأول والأساسي للعلمانيين.. أما مصدرهم الثاني -كما يتضح من كتاباتهم- فهو كتب الأدب والأقاصيص القديمة مثل كتاب الأغانى للأصفهاني، الذى يصفه بعض الباحثين الإسلاميين بأنه (نهر السموم)..

ويشبّه الشيخ القرضاوي الاعتماد فى الحكم على هذه الكتب الأدبية مثل الحكم على المجتمع المصري كله من أفلام السينما والمسلسلات.. فى حين أن هذه لا تمثل إلا شريحة محدودة جدا من الشواذ فى المجتمع.. وضرب لذلك أمثلة منها: شخصية هارون الرشيد.. التى أبرزتها قصص الأصفهاني بصورة السلطان االمستهتر الماجن الذى لاهم له إلا ملذّاته وشهواته، فى حين أن شخصيته الحقيقية تتعارض كلّية مع هذه الصورة الكاذبة .. فقد بلغت الحضارة الإسلامية أَوَجَها فى عصره.. وكان مجلسه جامعة حافلة بالعلماء والفقهاء والفلاسفة، والحكماء.. وكان الرجل يحجّ عاما ويغزو عاما آخر..

لقد بلغ فُجْرُ العلمانيين أنهم حاولوا تحطيم الرموز الإسلامية المشرقة مثل عمر بن عبد العزيز فاتهموه بسوء الإدارة والجهل بالسياسة والإقتصاد والتسبب فى خراب الدولة.. وكلها افتراءات لا سند لها ولا دليل عليها.

(٥) شبهات العلمانيين وتناقضاتهم: ينبهنا الشيخ هنا إلى حقيقة جوهرية حيث يقول: "من المعلوم أن انحراف حاكم فى تلك
العصور لم يكن ليؤثّر فى سير المجتمع كله.. أوالتأثير فى أعماق الشعب فكرا وخلقا وسلوكا.. فلم تكن لدى السلطة [فى ذلك الزمن] أجهزة ولا وسائل قادرة على التأثير كما الآن.. إذ يملك حُكّامُ هذا الزمن: الأجهزة التربوية والثقافية والإعلامية التى تمكّنهم من صناعة فكر الشعب وذوقه، وتوجيه مشاعره وسلوكه الوجهة التى يريدون إلى حد كبير...".

ومن آفات العلمانيين المعرفية -مما رصده الشيخ- خلْطُهم بين مفاهيم: "الإسلام" و "الفكر الإسلامي" و "الحكم الإسلامي".. فلم يفهموا أن الإسلام معصوم، أما الفكر الإسلامي فهو عمل البشر فى فهمه، والحكم الإسلامي هو عمل السلطة البشرية فى تنفيذه.. وكلاهما لا عصمة له.. وبناء على هذا الفهم الصحيح للأمور ينبّه الشيخ إلى حقيقة أنه: "عندما يخطئ مفكر فإن خطأه لا يبقى طويلا حتى يستدرك عليه مفكر آخر ، وعندما يخطئ حاكم فإن زلّته لا تطول حتى يصوّبها ناقد راشد... والأمة الإسلامية بفضل الله لا تُجمع على خطأ.. وجهاز الدعوة فيها حساس، وهو -عن طريق التعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- ينصف الحق..."

(٦) ينبّه الشيخ إلى حقائق ثلاثة أخرى بالغة الأهمية، حافظت على استمرارية الشريعة وعلى سلامة المجتمعات الإسلامية عبر التاريخ وهى:

أولا- أن الخلفاء والحُكّام الذين تولّوا أمر المسلمين بطريقة غير صحيحة، أعلنوا ولاءهم للإسلام.. ولم يغيروا القوانين والأهداف الإسلامية، واستأنفوا الجهاد الخارجي، كما تركوا للفقهاء حرية الحركة فى المجتمع بين الجماهير المسلمة بلا عائق.

ثانيا- مضى العلم الديني فى طريقه يوسّع آفاقه ويربّى الجماهير ويقرر الحقائق الإسلامية كلها من الناحية النظرية.. أى أن الإسلام الشعبي -مع ازْورارِه عن السلطة- بقى قادرا على الامتداد والتأثير.

ثالثا- مع أن الدولة كانت عربية فإن الجماهير .. ألقت قيادها فى أغلب العواصم إلى فقهاء ودعاة ومربين عظام من أصول غير عربية ...

(٧) يستند العلمانيون فى رفضهم للشريعة ومحاولة إقصائها عن السياسة والحكم إلى زعمهم بإخفاقها فى الماضى وأن بلاد المسلمين لم يكن فيها إسلام يحكم منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم.. ويسوق الشيخ القرضاوي فى تفنيد هذا الزعم مقالة للدكتور محمد عابد الجابري، و هو محسوب على التيار اليساري، إذْ يرى الرجل أن هذه نظرة عدمية لا منطقية، ولا تساندها الحقائق التاريخية حيث يقول: " نحن نقول: الإسلام دين ودولة.. وقد كان ذلك بالفعل.. أما إذا قلنا أن الشريعة لم تطبق منذ عهد الرسول أومنذ الخلفاء الرشدين فمعنى ذلك أن الإسلام لم يكن دينا مطبّقا ولا كان دولة طوال أربعة عشر قرنا، وهذا غير صحيح تاريخيا وغير مقبول منطقيا إنه قول يجر إلى عدمية تتركنا بدون هوية.. بدون تاريخ .. وبالتالى بدون حاضر وبدون مستقبل .. فهل نقبل هذا...؟؟!

(٨) فى المقارنة بين عصرنا الحاضر -بتقدّماته الهائلة- وبين العصور السابقة فيما يتعلق بإمكانية تطبيق الشريعة ، يلفت الشيخ القرضاوي نظرنا إلى أن المسلمين فى هذا العصر أقدر على تطبيق الشريعة بما هو متاح لهم من إمكانات لا حدود لها.. وهو هنا يشير إلى ثلاثة عناصر أساسية:

أولها- أن عصرنا يهيّئ للحكومة المسلمة من القدرة على التوجيه والتأثير فى حياة الناس، ومعاونتهم على تغيير ما بأنفسهم فكرا وخلقا وسلوكا، ما لم يكن عُشر معشاره مُهَيّئًا للحكام فى القرون الوسطى.

ثانيها- أن عصرنا قد انتهى إليه حصاد تجارب إنسانية من مختلف الأعصار ومختلف البيئات، ما يمثّل ضمانات أساسية لحماية حق الشعوب ضد طغيان الحكام وأهوائهم، مثل المجالس النيابية ومراقبة الحكومة ومحاسبتها.

ثالثها- أننا لا ننادى بحكم فرد مثالى فـذّ، بل بحكم المؤسسات التى تقوم على الإسلام وعلى أخلاق الاسلام.

(٩) التناقض وازدواج المعايير: يأخذ العلمانيون عادةً من التجارب المعاصرة فى تطبيق الشريعة فى الحكم أمثلة لتنفير الناس من الشريعة.. لذلك يوضّح لنا الشيخ أن كل هذه التجارب قامت على سوء الفهم أو سوء التطبيق أو كلاهما معا، ولكن يتخذ العلمانيون هذه الحالات كنماذج ويتساءلون بسخرية: أيّ إسلام تريدون: إسلام إيران أم السودان أم باكستان [أم طالبان]...؟! وشبهتهم هنا تتركز فى أمرين: اولهما: اختلاف صور الإسلام المنشود.. إذ يبدو [فى تطبيقاته] وكأنه ليس إسلاما واحدا...! وثانيهما: التركيز على الأخطاء والانحرافات .. وتحميل هذه الأخطاء على الإسلام نفسه.. كأن هذه هى طبيعة الإسلام.. أو كأنه هو المسئول إذا أساء الناس فهمه أو أساءوا تطبيقه أو انحرفوا به...!

ثم يتحول لنقد العلمانيين فى موقفهم من الإسلام ويبين بصفة خاصة تناقضهم وازدواجية معاييرهم فى الأحكام.. ذلك لأن العلمانيين لا يتخذون نفس الموقف إذا اختلفت التطبيقات الديمقراطية أو الاشتراكية، فكلاهما ليس له تعريف دقيق ولهما تطبيقات شتى: فقد رأينا اللبرالية والاشتراكية والشيوعية.. حتى الفاشية والنازية.. كلها ادعت أنها هى الديمقراطية الحقّة، وأن ماعداها ديمقراطيات مزيّفة.. والجميع يدّعون الاحتكام إلى معايير خُلقية أو روحية، ويدّعون الحرص على الحرية والمساواة وكرامة الإنسان...

وتفصيلا لهذه الحقيقة يقول الشيخ: "الديمقراطية الغربية تعتمد المعيار السياسي.. أىْ(ديمقراطية الحرية السياسية).. والماركسيون يعتمدون المعيار الإقتصادي؛ فيميزون ديمقراطيتهم بـ(الحرية الاجتماعية والاقتصادية) .. ويتحدّى الصينيون المعيارين معا، قيقولون بالديمقراطية الجديدة.. وغيرهم فى آسيا وأفريقيا يقولون بـ(الديمقراطية االاشتراكية) .. حتى الماركسية، ليست ماركسية واحدة بل ماركسيّات كثيرة .. ولكن العلمانيين لا يجدون غضاضة فى هذا التنوع والاختلاف فيما يتعلق بهذه العقائد والأيديولوجيات.. كأنه أمر طبيعي لا غبار عليه.. ولكنهم يستنكرون أن يكون هناك تنوّع فى تطبيقات الشريعة الإسلامية .. ويعتبرون ذلك نقصا فى الشريعة نفسها...!

(١٠) يكشف الشيخ عن تناقض آخر تابعٍ للتناقض الأول حيث يرى أن: "العلمانيين والماركسيين يتعاملون بمنطقين مختلفين؛ منطق مع الإسلاميين ومنطق مع أنفسهم.. فهم مع الإسلاميين يحمّلون الإسلام كل الانحرافات والأخطاء التاريخية، وكل الأخطاء والانحرافات فى التطبيق المعاصر، فالإسلام عندهم هو مجموع الانحرافات القديمة والجديدة معا ، ولا يقولون أن الإسلام شيء والتطبيق شيء آخر، وأن المسئولية مسئولية المسلمين وليست مسئولية الإسلام نفسه.. على حين نراهم مع المذاهب الأخرى يفرّقون بين صلاحية المبدأ فى ذاته وبين سوء التطبيق.."

"وحين يواجهون قيادات إسلامية فذّة فى عدالتها واستقامتها وحسن قيادتها لشئون الأمة يُرجعون فضائلها -لا إلى الإسلام بل- إلى عبقريتهم الشخصية.. ولا يقولون عن هذه النماذج المشرّفة: هذا هو الإسلام... وإنما يقال هذا هو الإسلام فقط حيثما وقع ظلمٌ أو وَهَنٌ أو انحرافٌ أو فسوق..."

" وهكذا يُنطح الإسلام بمن انحرف من أهله، ويُنطح بمن استقام منهم، فحالة الانحراف هى مسئولية الإسلام بل هي هو..! أما الحالة الرائعة الفذة فلا علاقة له بها .. إنها مسئولية الأفراد بسبب مواهبهم أو عبقرياتهم..!"

(١١) هل العلمانية علاج لأي شيء..؟!: من أبرز مزاعم العلمانيين فى تأكيد قيمة العلمانية وأهميتها أنهم لا يفتأون يسوّقونها لنا على أنها العلاج الأكيد والوحيد فى البلاد التى يوجد بها أكثر من دين واحد.. حيث تصبح العلمانية علاجا لأوضاعها.. وحماية لها من التعصّب الطائفي الذى يسبب الكوارث.. ومن أهم أمثلتهم على ذلك الزعم: حالة الهند و حالة لبنان... ولو ذهبت تتأمل فى حقيقة هذين النموذجين لوجدت العجب؛ فالعالمانية فى كلا الدولتين لم تمنع المذابح الرهيبة التى جرت على أرضيهما.. وكأن العلمانيين فى خصومتهم للإسلام يصابون بالعمى وهو فى هذه الحالة عمى اختياري...!

لقد ساق د. فؤاد زكريا هذين النموذجين فى حواره مع الشيخ القرضاوي وكان رد الشيخ مباشرا قويا وسريعا حيث قال لمحاوره: "ما ذكرتَه أنت حجة عليك لا لك: ففى الهند حيث الأكثرية هندوسية حدثت مذابح للسيخ والمسلمين.. و قامت صدامات مسلحة ذهبت ضحيتها أنديرا غاندى.. وقد رأينا الهندوس الرُّفقاء بالحيوان والحشرات، لدرجة أنهم يحرّمون استخدام المبيدات الحشرية فى الفنادق الكبرى.. لأن الحشرات ذات روح، استباحوا ذبح المسلمين بالآلاف كأنهم ليسوا من ذوى الأرواح...!..وفى لبنان وقعت حروب طائفية ومجازر وسفك دماء.. وصبرا وشاتيلا... فماذا صنعت علمانيتك لطائفيّـة لبنان.. إن حجتك تنقلب دائما عليك...!"

(١٢) لقد مضى الدكتور فؤاد زكريا إلى حال سبيله.. وطويت صفحته على أسوأ ذكرى يمكن أن يوصم بها كاتب لم يترك للأجيال من بعده شيئا يستحق عليه الثناء؛ فقد سخّر حياته وقلمه لتشويه صورة الإسلام.. والانتقاص من قدْر الحضارة الإسلامية والشريعة الإسلامية، والعداء المستميت للتوجّهات الإسلامية فى إصلاح المجتمع والسياسة على أسس من الأخلاق والضمير الديني.. ولكن خطاب الشيخ القرضاوى لا ينطبق فقط على فؤاد ذكريا وحده .. فاليوم نرى على الساحة عددا كبيرا من ورثته بعضهم أشد حيطة، وخبثا.. وبعضهم أكثر حقدا وحمقا، وهؤلاء يسهل التعامل معهم .. أما الأولون فلهم مهارة فى فنون التلوّن والتخفى بمقولات ناعمة.. ومصطلحات برّاقة.. وأولئك هم الأشد خطرا.. ولكن ينطبق على الجميع مقولة الشيخ الملهم: "حُجَجُكم دائما تنقلب عليكم"...

خلاصة: إذا ذهبت تحلل المواقف السياسية الحالية لهؤلاء فستجد أنها تتهاوى أمام يقظة دعاة الحق وأنصار الوطنية الحقيقية: لقد تهاوت صيحات الدستور أولا، وانتخابات الرئاسة قبل انتخابات البرلمان ، وسقطت محاولات إطالة الحكم العسكري المؤقت.. وسقطت دعاوى المبادئ فوق الدستورية.. والمبادئ الحاكمة للدستور، وكانت كلها محاولات مكشوفة لاختراق الإرادة الشعبية، والرغبة فى تكبيل الشعب وتقييد حريته واختياراته بقيود غير دستورية وغير قانونية.. وهى بالتأكيد ضد الديمقراطية..!

لقد فقدت هذه المحاولات الخبيثة زخمها لتفسح الطريق أمام دعوات متواضعة يسمونها مبادئ استرشادية، يمكن قبولها، مثل الوثيقة التى صدرت من الأزهر، واتفقت عليها القوى السياسية مع بعض تحفظات هيّنة.. ولذلك ينبغى أن تكف المحاولات العبثية التى لا تزال تجرى فى أروقة الحكومة بقيادة السيد "على السلمي" خليفة يحيى الجمل.. فلن يقبل الشعب أى نوع من الوصاية تحت أى شعار.. ولن يقبل الانتقاص من حريته وإرادته أن يبنى بنفسه ديمقراطيته ومستقبله...

والحقيقة الجوهرية التى يجب أن تترسخ فى وعينا جميعا هى: أن الذين لا يحترمون عقيدة هذه الأمة ولا يقدّرون قيمتها.. ولا ينتمون إلي هويّتها.. ويسعون لاستبعادها من حياة هذا المجتمع وسياسته.. يستحيل أن يكونوا أصدقاء حقيقيين محبين لهذه الأمة.. يستحيل أن يكونوا أمناء على مصالح هذا الشعب ومستقبله.. والتاريخ والتجربة يؤكدان هذه الحقيقة..!

----
عن صحيفة المصريون، 29/8/2011م.