قطب العربي
لم يستطع الأستاذ محمد حسنين هيكل في أول إطلالة له على التليفزيون المصري مع محمود سعد أن يخفى تحيزاته الفكرية والسياسية، حين تحدث عن مشهد إمامة الدكتور يوسف القرضاوي لصلاة جمعة النصر في ميدان التحرير إذ شبه هذا المشهد بمشهد عودة الخميني إلى إيران عقب نجاح ثورتها عام 1979، ورغم أن مشهد عودة الخميني إلى إيران كان أهم مشاهد الثورة الإيرانية بالنسبة للإيرانيين وغيرهم ممن فرحوا لتلك الثورة في حينها، إلا أن هيكل قدم المقارنة بطريقة سلبية مدعيا أن هذا المشهد (وأقصد مشهد القرضاوي في التحرير) يعد مشهدا مزعجا للخارج، ويعد تجسيدا لمحاولة قفز الإخوان على الثورة، ولم يكتف هيكل بمشهد القرضاوي للتدليل على هذا القفز لكنه جاء بمشاهد أخرى مثل وضع المنصة وتحكم أحد نواب الإخوان فيها قاصدا الدكتور محمد البلتاجي.
تحدث هيكل بلغة الخصم السياسي رغم أنه أثنى على القرضاوي وخطبته، وأكد حق الإخوان في البروز، ويبدو أن الأستاذ هيكل، مع تقديم حسن الظن، وقع فريسة النقل غير الأمين لما يدور في الميدان سواء عبر وسائل الإعلام أو عبر بعض أصدقائه المنحازين فكريا أيضا، استكثر الأستاذ أن يذهب ولو مرة واحدة إلى ميدان التحرير لمعايشة الثوار، ومشاهدة الوضع على الطبيعة ولو لدقائق أو ساعات، وهو الذي كان ينتظره الكثيرون وعلى رأسهم أصدقائي الناصريون الذين كانوا يبدون متلهفين لطلة هيكل على الميدان، ولو في ساعات الفجر حيث يخف الزحام، قد يقول قائل إن الأستاذ لم يستطع الذهاب إلى التحرير بسبب شيخوخته، ونرد على ذلك بأننا شاهدنا في الميدان من هم أكبر سنا وأضعف صحة منه، لقد كنت أقف كثيرا في الميدان إلى جوار الأستاذ الكبير والناصري المخضرم عبد العظيم مناف لفترات طويلة حتى وقت متأخر من الليل أتعلم منه وأستلهم منه روح المثابرة، وأجمع له الشباب حتى يأخذوا منه القدوة في النضال، وهو الذي كان يستحي من ذلك، مرجعا الفضل لهؤلاء الشباب، ربما كان الأستاذ مناف سبعيني العمر أي أصغر من هيكل، حسنا، فماذا إذن عن الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة في السويس في حرب 1973م، وهو رمز الثورة الحالية في السويس وهو تسعيني العمر، لم تكن هناك حجة أو مبرر للأستاذ هيكل أن يتأبى على الحضور إلى ميدان التحرير، وليس من حقه إذن أن يحكم على ما جرى ويجرى في الميدان وهو متكئ على أريكته أمام شاشات التلفزة.
لو حضر الأستاذ إلى الميدان لعرف منذ اليوم الأول حجم وحقيقة الدور الإخواني في الثورة، وهو الدور الذي حرص الإخوان على إخفائه بهدف توفير شرط أساسي لنجاح الثورة، حتى لا يتمكن النظام من القضاء عليها متحالفا مع القوى الكبرى بزعم أنها ثورة إخوانية، لقد أنكر الإخوان ذواتهم، وذابوا في بقية الشعب الثائر، ولم يرفعوا أي شعار يدل على هويتهم، وكانوا هم الذين يتصدون لأي هتاف ذو صبغة إسلامية، وحتى الهتاف الذي رصده الأستاذ هيكل يوم الجمعة الماضي عقب الصلاة وكان عبارة عن تكبيرات العيد، باعتبار أن الناس تعيش في عيد، هذا الهتاف تصدى له الإخوان أنفسهم وخرج البلتاجى- الذي انتقد هيكل ظهوره- ليهتف تحيا مصر، وليوحد الناس مرة أخرى على هتافات جامعة، وهذا يحسب للإخوان لا عليهم، وهو أمر يستحقون عليه التحية والتقدير، وقد فعل ذلك المنصفون، وسمعت بنفسي في الميدان إشادات بالغة بأداء الإخوان من أصدقاء ناصريين ويساريين وعلمانيين.
لو أن الأستاذ هيكل ذهب لدقائق إلى ميدان التحرير لعلم أن هذه الإذاعة التي توجس منها كانت موجودة منذ بداية الثورة، أنشأها شباب الإخوان، ولكنهم فتحوها لكل المصريين سواء من الرموز السياسية المختلفة، أو من شباب الثورة، أو حتى شيوخها، ولم يقصروها يوما على أنفسهم، وهذا ما فعلته أيضا الإذاعات الأخرى التي أطلقتها بعض التيارات السياسية والشبابية، ولو أن الأستاذ هيكل حضر إلى الميدان لعرف أن الدكتور البلتاجى يقف هذا الموقف منذ بداية الثورة بشهادة الجميع، وهو صاحب الحركة الدائمة على مدار 24 ساعة، وصاحب الهتافات الجامعة المعبرة عن مطالب كل الثوار.
وبالعودة إلى موضوع القرضاوي الذي زعم الأستاذ هيكل أنه لم يشارك في الثورة، ولم يكن من رموزها، وكان أحرى به أن يبتعد عن مسرحها، أقول له إنه هو الذي لم يتابع جيدا تطورات الموقف حتى عبر شاشات التلفزة التي كان يرابط أمامها، وأسأل الأستاذ ألم تشاهد صرخات القرضاوي مستنفرا الشعب لنجدة إخوانه وأبنائه في التحرير حين هجم عليهم بلطجية النظام بخيلهم وجمالهم وحميرهم، وهى المعركة التي أدعوه أن يسأل أصدقاءه ومحبيه عمن تصدوا لها وردوها خاسرة؟، وهذا بطبيعة الحال لم يكن الدور الوحيد للقرضاوي بل إنه كان في طليعة من مهدوا لهذه الثورة بكتاباته وتصريحاته، وبرنامجه الشهير "الشريعة والحياة"، وهو الذي ظل محفزا للثوار في خطبه المنبرية منذ اندلاع الشرارة الأولى لهذه الثورة، وكيف لا وهو من أكثر الذين اكتووا بنار النظام الهالك.
أعرف أن الإخوان لا يريدون من أحد أن يكتب مفاخرا بدورهم، وأعرف أنهم ربما كانوا أكثر سعادة بمن كتب منكرا لدورهم، لأن هدفهم الأساسي هو نجاح الثورة، ولكن ليس من حق هؤلاء المنكرين أن يتمادوا، ويصدقوا أنفسهم حتى النهاية بدواع خبيثة هي حرمان الإخوان من جنى ثمرة مشاركتهم في الثورة.
-------------
- المصدر: صحيفة اليوم السابع المصرية، الأحد 20-2-2011.