الحمد لله وكفى، وسلاما على رسله الذين اصطفى، وعلى خاتمهم المجتبى، محمد وآله وصحبه، مصابيح الدجى، ومنارات الهدى، وكل من اقتدى فاهتدى.

(أما بعد)

فهذا هو العدد التاسع من مجلة مركز بحوث السنة والسيرة، يظهر اليوم بعد أن طال انتظاره، وتأخر عن موعده، لأسباب خارجة عن إرادتنا، حتى برز اليوم كالعهد به حافلا بالبحوث الأصيلة، والموضوعات الرصينة، وكلها تصب في مجرى واحد، هو الإسلام العظيم، وإلقاء مزيد من الضوء على مصادره المحفوظة من القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن السنة النبوية التي هي بيان القرآن النظري، وتطبيقه العملي. وقد بين الإمام الشاطبي أن حفظ الله تعالى للقرآن الكريم. يتضمن حفظ السنة المشرفة، لأن حفظ المبين يستلزم حفظ بيانه، وهي نظرة صحيحة بلا ريب.

عنيت هذه البحوث بخدمة علومنا الإسلامية الأصيلة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عنها، وبيان حقائقها، والرد على أباطيل خصومها، ودفع الشبهات المثارة حولها، بمنطق علمي ناصع، وأسلوب موضوعي مقنع، وأدب في الخطاب حتى مع المخالفين، وهذا هو منهج العلماء الثقات أبدا.

ومن كُتاب هذا العدد: صديقنا الحبيب المحدث الثبت الفقيه الداعية العلامة المتمكن الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، الذي وافاه الأجل في مدينة الرياض، ودفن في البقيع بالمدينة المنورة، والعدد في المطبعة، وقد كان – رحمه الله- حريصا كل الحرص على أن يتولى تصحيح بحثه بنفسه، خشية أن يصيبه في الطباعة ما يصيب كثيرا من المنشورات العلمية من التصحيف والتحريف والسقط والتبديل.

ونرجو أن يكون تصحيحنا قد حقق له أمنيته، وإن كان غلطات الطباعة لا تؤمن، وكلنا عانى منها ما عانى.

رحم الله الشيخ أبا غدة، وتقبله في الصالحين المرضيين من عباده، وجزاه عن دينه وأمته وسنة نبيه، خير ما يجزي به العلماء العاملين، والدعاة الصادقين، {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}[الأحزاب:39].

ولقد ودَّعت الأمة في هذه الفترة عددا من كبار العلماء والدعاة إلى الله، في مقدمتهم: حبيبنا الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي، والإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر، والفقيه الكبير عبد الله بن زيد المحمود رئيس المحاكم الشرعية في دولة قطر.. وغيرهم من الدعاة والعلماء الأعلام.

ولا شك أن موت العلماء الكبار مصيبة تصاب بها الأمة، فكما تصاب الأسرة بموت عائلها، تصاب الأمة بموت علمائها، وعدم وجود من يخلفهم ويسد فراغهم. وقد روي عن علي – كرَّم الله وجهه-: إذا مات العالم انثلمت في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه[1].

وقد روي الشيخان عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"[2].

اللهم عوِّض أمتنا خيرا عمن فقدته من العلماء، وهيئ لها من أمرها رشدا.. آمين.

رئيس تحرير المجلة

ومدير مركز بحوث السنة والسيرة

أ.د يوسف القرضاوي

(1417هـ - 1996م)

 


[1] - ذكره الغزالي في الإحياء (1/7).

[2] - متفق عليه: رواه البخاري (100)، ومسلم (2673)، كلاهما في العلم.