القرضاوي: إطلاق الرصاص على المتظاهرين حرام شرعًا.. ومَن خرجوا إلى الشوارع هم أبناء مصر
القرضاوي يصف الحركة الاحتجاجية بالانتفاضة المباركة
حيَّا الشيخ يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ما وصفه بـ(الانتفاضة المباركة للشعب المصري)، راجيًا أن يكون لها دور في إحداث التغيير، وأن تتحقَّق مطالب الشعب في الحصول على حقوقه من حريَّة وكرامة.
وقال القرضاوي لـ "الشروق": لا شكَّ أن ما حدث في تونس درس عظيم، ولا بدَّ أن يتكرَّر، وأن تتغيَّر الأوطان العربية إلى الأفضل، وأن تنال حقوقها وحريَّتها.
وثمَّن القرضاوي دور "الأحرار الذين خرجوا ليعبِّروا عن غايتهم، ولم يدفعهم أحد، ولا يمثِّلون حزبًا أو قوَّة سياسية، لكنهم يمثِّلون مصر"، مضيفاً: "مصر التي تنشد الحريَّة والكرامة ومستوى الحياة اللائق بها، وأن يكون لها مقعدها تحت الشمس".
وأضاف "مَن خرجوا إلى الشوارع هم أبناء مصر، رأيتُهم بنفسي، وأنا أمرُّ في شوارع القاهرة، هؤلاء يتطلَّعون إلى غدٍ أفضل، وهذا من حقِّهم"، آسفاً على التعامل الأمني العنيف مع المتظاهرين، والذي وصل إلى حدِّ إطلاق الرصاص الحيِّ، الذي حصد (4) شهداء.
وتابع الشيخ "كنتُ أودُّ أن تكون مصر كغيرها من الدول، التي تتعامل مع المتظاهرين بتحضُّر، لا سيما أن المتظاهرين لم يتطلَّعوا إلى العنف، فالتعبير عن الرأي حقٌّ إنساني".
واستنكر القرضاوي تصريحات رموز الحكومة والحزب الوطني التي "لا تعبِّر عن رؤية أو إدراك لم يحدث"، مضيفاً "كلامهم دليل على ضيق أُفقهم، فهم لا يُحسُّون بالتغيير الذي حدث في نفوس الشباب المصري".
وأفتى القرضاوي بتحريم إطلاق الرصاص على المتظاهرين، وقال: "أيُّ شرطيٍّ يطلق النار على متظاهر لم يبدر منه ما يستحقُّ القتل مجرم وآثم". وطالبهم بعدم الاستجابة لقادتهم "ومَن يقول: إنه عبد المأمور. أقول له: أنت عبد لله، والقتل حرام".
وفي المقابل حرَّم القرضاوي تحريما قاطعا الاعتداء على رجال الشرطة من قِبَل المتظاهرين، وقال: "هم منا ونحن منهم، ودماؤهم محرَّمة، ولعلهم يشكون مما نشكو، ولو أُتيحت لهم الفرصة لانضموا إلى الجمهور". مشدِّدًا على حُرمة المساس بالممتلكات العامة والخاصة.
وترحَّم القرضاوي على شهداء "يوم الغضب" الذين سقطوا ضحيَّة، مؤكِّدًا أن دماءهم لن تذهب سُدى، ومن الممكن أن تتحوَّل هذه الدماء إلى الشرارة التي تشعل النار، وقال "فليحذر مَن يعيش في القصور بعيدًا عن مطامح الناس من تلك الشرارة".
وختم الشيخ كلامه: "من واجب السلطة أن يكون لها أذن تسمع، وقلب يعقل، وعين ترى، أما أن تُحدث تلك التحرُّكات والتغيرات وتكون عين السلطة عمياء، وأن تسمع السلطة تلك الأصوات وتسدُّ آذانها، وتغلق قلبها، فتلك هي المصيبة".
مداخلة الشيخ القرضاوي على قناة الجزيرة مباشر
(28 يناير 2011م)
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد:
فأحيِّي الشعب المصري الأصيل العريق، وأحيِّي أبناء هذا الشعب، خصوصا الشباب منهم، الذين ثاروا لكرامتهم، وثاروا لأمَّتهم، وخرجوا من بيوتهم ينشدون الحرية والكرامة للإنسان المصري، بعد أن قهرته الحياة، وبعد أن أصمَّت أُذنيها عنه حكوماته المختلفة، هؤلاء الذين عاشوا لأنفسهم، وتركوا الشعب يعاني ما يعاني، نهبوا أراضي مصر، واختلسوا وسرقوا ثروات مصر، وأصبحوا كما يقول المثل المصري: حاميها حراميها.
أو كما قال الشاعر العربي: وراعي الشاة يحمي الذئب عنها ** فكيف إذا الرعاة لها ذئاب
الشعب المصري خرج بحرية وأصالة، لم يحركه أحد، لم يعمل لحساب حزب ولا جماعة، ولكن عمل لحق نفسه، ولكرامة نفسه، ولهذا نحيي هؤلاء الشباب، ونحيي تطلعاتهم، ونحيي ما ينشدونه من حياة حرة كريمة، يسعى إليها كل إنسان حر كريم.
نحيي هؤلاء الشباب ونترحم على شهدائهم، ونقول لهؤلاء الفراعنة الذين يحكمون مصر ما قاله أحمد شوقي للفرعون توت عنخ آمون من ثمانين سنة، حينما احتفى الناس لما اكتشفوا قبره:
زمان الفرد يا فـرعون ولَّى ** ودالت دولة المتجبـرينا
وأصبحت الرعاة بكلِّ أرض ** على حكم الرعية نازلينا
ويأتي الفراعنة الجدد الآن، يريدون أن يفرضوا أنفسهم على الناس، ولكن الشعوب الآن لها إرادتها، وإذا أرادت الشعوب لن يستطيع أحد إلا أن يستجيب لمطالبها.
مذيعة الجزيرة: فضيلة الشيخ بعض العلماء يتحدثون عن عدم مشروعية الخروج على الحاكم، ووجوب طاعة أولي الأمر، ويركزون على ذلك في هذه الأوقات، ونريد من فضيلتك أن تحسم هذا الجدل الديني.
هذا سوء فهم للدين؛ لأن الإسلام يجعل حق الطاعة لمَن أطاع الله ونفَّذ أحكامه في العدالة والكرامة والحرية، أما مَن خرج على الدين، وظلم الشعب، وسرق ونهب وثرواته، فكيف يطاع، لا طاعة لأحد في معصية الله، والمسلمون مجمعون على أنه: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وفي السنة، بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سيكون أمراء ظلمة، وأمر بجهادهم، فقال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريُّون وأصحاب، يأخذون بسنَّته، ويتقيَّدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبَّة خردل"[1].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: "أعاذك الله من إمارة السفهاء".
قال: وما إمارة السفهاء؟
قال: "أمراء يكونون بعدي، لا يقتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمَن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني، ولست منهم، ولا يردوا علي حوضي. ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم، وسيردوا عليَّ حوضي"[2].
بدأ بمَن يصدق هؤلاء الحكام ويعينهم على حكمهم. وقال: "فأولئك ليسوا مني، ولست منهم، ولا يردوا عليَّ حوضي".
فالإسلام لا يقبل إطلاقا أن ينصاع الناس للحاكم الظالم، والقرآن يجعل الطائع للحاكم الظالم مثله في الظلم، قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص:8]، {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [القصص:40]، {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القصص:42].
وذمَّ الشعب المصري الذي أطاع فرعون: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:54].
ولذلك فنحن نؤيد الشعب حين يرفض أن يستخف به فرعون. والمصريون عندهم مَثل يقول: قيل لفرعون ما فرعنك؟! قال: لم أجد أحدًا يردُّني!! والشعب اليوم قام يرد فرعون عن ظلمه. وهذا ما يأمر به الإسلام، يأمر أن يقف الناس في منظومات قوية، حتى يصلوا إلى حقوق أنفسهم بالتكاتف والتعاون.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4].
........
[1] رواه مسلم في الإيمان (50) وأحمد (4379) والبيهقي في الشعب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (7560)، عن ابن مسعود.
[2] رواه أحمد (14441)، وقال مخرجوه: إسناده قوي على شرط مسلم، وابن حبان في الصلاة (1723)، وصححه الألباني في الترغيب والترهيب لغيره (2242)، عن جابر.