د. يوسف القرضاوي
فوجئت كما فوجئ كثيرون غيري – بما نشرته جريدة "الشروق" المصرية حول موقفي من ترشيح الدكتورين العزيزين: عبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد سليم العوا، لمنصب رئاسة مصر، وتأييدي لأحدهما ضد الآخر، وهو ما نشرته الجريدة أو أحد مراسليها نقلا عني من إحدى الجرائد القطرية، في أول حوار عربي تنقله عني.
وكنت أود للشروق، وهي الجريدة التي أحبها، وأتعامل معها منذ صدرت ألا تنقل هذا الكلام حتى تتصل بي عن طريق أحد مراسليها، وتستوثق من هذا الكلام: هل له أصل أو لا؟ ولكنها لم تفعل!.
وأود أن أبين هنا أنني من أكثر من شهر ونصف لم أباشر أي نشاط إعلامي، أو فكري، بعد أن أصبت بوعكة صحية عزلتني عن العالم كله، فلم أعد أرقى المنبر، ولا أتصل بصحيفة ولاقناة، لا لأقول قولا، ولا أكتب سطرا. ونبه علي الأطباء الذين أشرفوا على علاجي، وهم كثر، أن أترك السياسة ومتاعبها وآلامها، وأن أحيا بعيدا عنها ما استطعت، حتى تعود إلي عافيتي..
حتى حدثت أحداث كثيرة وكبيرة، غيبوها عني، ولم أعلم بوقوعها إلا بعد مدة من حدوثها، مثل وفاة أخينا العالم الإسلامي الكبير الشيخ فيصل مولوي في لبنان رحمه الله. وفي الأيام الأخيرة أصررت على أن أدخل المكتب، وألتقي ببعض الزوار، مسلما ومصافحا، ومصليا الظهر مع بعض الشباب، مستمعا إلى أحدهم دون أن أشارك بأي نشاط ذهني أو علمي.
وفي بعض الأيام حضر بعض الصحفيين، وسمع كلاما طائرا مني حول هذا الموضوع، لم أخصه به، ولم ألقه إليه كأنه شئ ينشر، إنما هو كلام يقال تعليقا على بعض الأحداث، غير ممحص، ولا مبين، ويغلب عليه الهزل أكثر من الجد، ويدخل فيه القديم والجديد، وينكت فيه من ينكت.
وإذا بصاحبنا يجعل من هذا الكلام رصيدا ينشره في الجريدة باعتباره (جدالا) في موضوع سياسي من القرضاوي الذي انقطع عن الكلام منذ حوالي شهرين!. والعجيب أنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن غادرت قطر بمدة (يوم 30/6)، على أنه لم يخبرني أنه سجل ما كان يقال، وأنه ينوي أن ينشره، لأبدي رأيي فيه، قبولا أو ردا أو تعليقا، فهذه هي الأصول في العلاقات.
وأحب أن أؤكد أني لم أقل في ذلك الوقت كلاما ألتزم فيه بموقف عملي، أو أخلاقي، أو سياسي؛ كل ما أذكره أن الأخ الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح حين زارني في قطر، كان يقصد مجرد الزيارة أو العيادة، ولم يكن الدكتور العوا قد ترشح في ذلك الوقت، ولذلك أيدنا الدكتور أبو الفتوح في ذلك الوقت. وحين ترشح الدكتور العوا بعد ذلك، قلنا: لابد من أن ينظما موقفيهما بصفتهما مرشحين إسلاميين، ومعهما ثالث هو الدكتور حازم ابن الدكتور صلاح أبو إسماعيل.
لم يقدر لي أن أرى الدكتور العوا، منذ تركته بعد خطبة الجمعة في مصر، حين نقل إليَ سرور أعضاء المجلس العسكري منها، ولم يكن يدور في خلدي أن يترشح إلى ذلك اليوم، ويبدو أنه اتصل بأولادي وأنا في المستشفى فلم يستطع مكالمتي، وأبلغني تحياته ودعواته عن طريقهم.
ولما عدت إلى القاهرة اتصلت به بعد يومين من وصولي، وقد حرصت أن يكون وصولا غير معلوم ولا مبثوث، ولذا لم أتصل إلا بالقليل المعلوم من إخواني وأصحابي، حتى أن بعضهم اتصلت به ولم أجده. وقد وعدني أن يتصل بي يوم الثلاثاء أو الأربعاء في البيت، ونجلس معا ليشكو لي همومه ومطالبه ومشكلاته. ولكن يبدو أن مشكلاته غالبته، فلم يستطع الحضور، ولا الاعتذار، وكله مبرر عندي، لتشابك الأمور وتزاحمها.
والذي أريد أن أؤكده أن الدكتور العوا رجل عزيز عليَ، حبيب إليَ، كريم عندي، وقد اختلفنا في الأيام الماضية في قضية انتهت، وهي قضية العلاقة بالشيعة، وقد ذكرت في هذا اللقاء، وما أظنها بالقضية الفاصلة.
والأخ الثاني الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أخ كريم حبيب هو الآخر عندي، لكل منهما مكانه، ولكل واحد منهما مزايا وتراجيح يعز بها ويغلب.
والمرجع هو الشعب الذي ينتخب ويعطي صوته، وليس يوسف القرضاوي ولا غيره.
أما أنا فدعائي إلى الله سبحانه، أن يختار لشعب مصر الأنفع منهما، أو منهم، والأصلح لهذه المرحلة، والأخصب في إنتاجها، والأبعد عن إثارة المشكلات التي تعنتها أو تضيق عليها. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.