أحمد فودة

"أوصيهم بما أوصيت به أبناء مصر أن يثبتوا ومهما ضحوا فإنهم منتصرون .. القذافي زال .. انتهى القذافي" .. هكذا صاح رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي من على منبر قناة الجزيرة ردا على المذابح التي ترتكبها قوات القذافي في مواجهة ثورة السابع عشر من فبراير.

وقد تكرر هذا الموقف القوي من الشيخ القرضاوي في الأيام التالية مع اندلاع الثورات في كل من اليمن وسوريا والعراق وغيرها من الدول العربية .. حيث أعلن بشكل صريح أن الأمة تعيش مخاضا عظيما لم تر مثله منذ سقوط الخلافة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى في بدايات القرن الماضي .. وأن هذا المخاض الذي تلعب فيه الشعوب الدور الأساسي سوف يقود إلى يقظة الأمة العربية ودخولها في قطار التاريخ بعد أن خرجت منه طوال العقود الماضية بفعل سيطرة أنظمة الحكم المتخلفة والمتحالفة مع أعداء الأمة عليها.

هذا الدور الذي لعبه وما زال الاتحاد .. يعد امتدادا للدور الذي لعبه خلال الفترة السابقة على هذه الثورات، رغم أن هذا الدور كان يراعي إلى حد ما مواقف الأنظمة الحاكمة بغية عدم الدخول معها في صدام يعقد ما يسعى إليه .. وقد شهدنا ذلك خلال الحرب التي شنتها إسرائيل ضد حزب الله في العام 2006 وكذلك الأمر في الحرب التي شنتها على حركة حماس في العام 2008 حيث طالب الاتحاد من قادة الدول العربية التحرك لمواجهة هذا العدوان الإسرائيلي وتقديم النصرة لقوى المقاومة .. وقد قام رئيس الاتحاد وبعض قادته بجولة في عدد من الدول العربية للقاء زعمائها إبان حرب غزة من أجل الضغط عليهم لاتخاذ موقف أكثر قوة في مواجهة إسرائيل.

ورغم أن الاتحاد لم ينجح في تحقيق مسعاه، خاصة وأن بعض الرؤساء العرب رفضوا لقاء قادته مثل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، إلا إن ذلك لم يضعف من عزيمته وفي زيادة أدواره المستقبلية في مواجهة الأزمات التي كانت تقع في الدول العربية والإسلامية.

ولعل الدور الذي قام به الاتحاد في الأزمة القرقيزية، دليل على ذلك حيث نجح الوفد الذي زار البلاد في منتصف شهر يوليو 2010 في إخماد الفتنة التي اندلعت بين عنصري الأمة القرقيز والأوزبك. وكذلك الأمر محاولاته المتكررة لحل الأزمة الصومالية التي كان قد استطاع تحقيق اختراق كبير فيها لولا تدخلات القوى الإقليمية والدولية التي عطلت الحل الذي طرحه وفد الاتحاد مما أدى إلى استمرار الأزمة حتى الآن.

هذا الدور المتعاظم الذي يلعبه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، زاد بشكل غير مسبوق مع اندلاع الثورات في الدول العربية وتحديدا منذ اندلاع الثورة المصرية التي مثلت علامة فارقة في تاريخ الأمة العربية وكذلك في الدور الذي يلعبه الاتحاد في تعضيد هذه الثورات ودفعها للوصول إلى نهايتها المأمولة لتغيير واقع الأمة المزري.

خلال الثورة المصرية كان واضحا أن الاتحاد قد حسم أمره بشأن التعاطي مع الثورة بتقديم كل وسائل العون لها في مواجهة النظام المصري الذي كان يمثل قمة الانهزامية للمشروع العربي والإسلامي في المنطقة.. لذلك رأينا بيان التأييد والدعم من الاتحاد .. ثم تطور الأمر عبر دعوة الشعب المصري للخروج على النظام الحاكم ودعم ثورة الشباب.. بل وصل الأمر إلى استخدام الخطاب الممزوج بالعاطفة الدينية لاستثارة المصريين ضد نظام حكم مبارك.. وذلك خلال اللقاء الذي بثته قناة الجزيرة يوم 2 فبراير خلال ما عرف إعلاميا بموقعة الجمل التي حاول خلالها النظام المصري القضاء على الثورة، عبر احتلال ميدان التحرير الذي كان يمثل رمز الثورة المصرية، وطرد الثوار منه.. مستخدما في ذلك كافة أنواع العنف الذي بدأ باستخدام الحمير والجمال لتفريق المتظاهرين ثم استخدام البلطجية وانتهاء بإطلاق الرصاص الحي عليهم.

في هذه الليلة خرج الشيخ القرضاوي على قناة الجزيرة وألقى خطبة مفعمة بالمشاعر الجياشة ضد النظام المصري وتحديدا حسني مبارك وأفتى بضرورة خروج المصريين لنصرة إخوانهم في ميدان التحرير.. وأنهى خطبته بدعاء أبكى خلاله ملايين المشاهدين من المصريين وغيرهم .. وقد كان لهذا اللقاء دوره الحاسم في دفع المصريين للخروج ونصرة شباب الثورة ... وحسم الأمر ضد النظام.

وبعد سقوط النظام وتنحي حسني مبارك عن الحكم شهدت الجمعة التالية التي سميت جمعة النصر ، احتفالا كبيرا في ميدان التحرير .. كان النجم الساطع فيه رئيس الاتحاد الشيخ القرضاوي الذي أمّ المصلين في صلاة الجمعة في مشهد مهيب لم تر مصر مثله من قبل , حيث احتشد في هذا اليوم ما يزيد على أربعة ملايين مصري ..

واستمر دعم الاتحاد للثورة المصرية عبر دعوة أبناء الشعب المصري لليقظة في مواجهة الثورة المضادة، كما دعا الدول العربية والإسلامية لتقديم العون المادي لمصر وتونس من أجل نجدة اقتصادهما الذي تأثر بفعل الثورة.

وتكرر المشهد في الثورة الليبية حينما خرج الشيخ القرضاوي على ذات المنبر وهو قناة الجزيرة ، ليقول لأبناء الشعب الليبي "أطالبهم بما طالبت به أبناء مصر أن اثبتوا" مؤكدا أن نظام القذافي انتهى وأن النصر قريب.

ثم اندلعت الثورة السورية التي نظر إليها البعض على أنها مختلفة على اعتبار أن سوريا في حالة مواجهة مع إسرائيل وأنها تقف في حلف الممانعة .. لكن الاتحاد رأى أن ذلك ليس مبررا للفساد والاستبداد المستشري في مفاصل النظام السوري وأن مقاومة الأعداء لا تعني عدم حصول الشعب على حريته وكرامته .. داعيا الجيش السوري وقوات الأمن إلى عصيان الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين.

من المؤكد أن العالم العربي يمر بزلزال استراتيجي بفعل الثورات التي اندلعت في معظم دوله .. هذا الزلزال ستكون نتيجته الأساسية هو استعادة الشعوب العربية لحريتها وكرامتها ومن ثم سيطرتها على الحكم بمعنى أن تكون نظم الحكم الجديدة ممثلة بشكل حقيقي لطبيعة ومكونات هذه الشعوب وكذلك توجهاتها.

ولأن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بطبيعته يعد ممثلا للشعوب العربية والإسلامية كان لا بد أن يأخذ زمام المبادرة ليكون صوت هذه الشعوب المسموع في مواجهة نظمها الفاسدة إلى أن يأتي الوقت الذي تستطيع هذه الشعوب فيه تمثيل نفسها .. وهو قريب جدا.

ــــــــــ

- عن صحيفة الشرق القطرية.