ياسر الزعاترة

إثر الرسالة التي وجهها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين للرئيس السوري بشار الأسد تحت عنوان «الحلول الجزئية لم تعد ترضي ولن تنهي المظاهرات»، شنت الدوائر الدينية في سوريا حملة شعواء على العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، مع العلم أن الهجمة على الشيخ كانت بدأت قبل ذلك بأسابيع إثر خطبته التي تحدث فيها عن الثورة الشعبية في سوريا، وطالب فيها الرئيس السوري بالإصلاح.

لا حاجة لاستعادة قائمة التهم التي وجهها تجمع «كبار علماء سوريا»، فهي معروفة إلى حد كبير، تبدأ بإثارة الفتن وتجاهل قيم الإسلام ومقاصد الشريعة، ولا تنتهي بخدمة أجندات مشبوهة، لكننا نشير إلى فصل من فصول الهجوم على الشيخ القرضاوي، والذي سبقته فصول أخرى من تونس إلى مصر قبل انتصار الثورة وبعده، وليس انتهاء بالبحرين التي يواصل نشطاؤها الشيعة وأنصارهم في العالم العربي وفي إيران الهجوم على الشيخ، وكان أبرز فصول الهجوم ما ورد في كلمة الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله في احتفال بالثورات العربية قبل أسابيع، وكانت الفقرة الأبرز بخصوص الشيخ قوله «أنا أستغرب كيف يدعو البعض ويقف ويقول: يجب على أهل مصر أن ينزلوا إلى الشارع، ثم في ليبيا يقف ويقول اقتلوا القذافي، ولكن عندما تصل النوبة للبحرين حيث لا يريد أحد في المعارضة أن يقتل أحدا ينكسر القلم ويجفّ الحبر وتخرس الألسنة ويصبح الكيل بمكيالين». وجاء ذلك ردا على خطبة قال فيها الشيخ إن موقفه غير المناصر لثورة البحرين يتعلق بكونها ثورة طائفية تختلف عن الثورات الأخرى في تونس ومصر واليمن وليبيا.

إلى جانب ذلك كله، كان ثمة هجمة لا تتوقف يتعرض لها الشيخ من قبل علماء يُحسبون على تيار السلفية التقليدية ممن تخصصوا في الدفاع عن الأنظمة ورفض كل ما من شأنه إزعاجها، أكانت مسيرات أم اعتصامات تنادي بالإصلاح، فضلا عما تجاوز ذلك من ثورات تنادي بإسقاط تلك الأنظمة.

تشير هذه الهجمات التي تعرض ويتعرض لها الشيخ القرضاوي إلى حساسية موقف الرجل الذي يصنف بوصفه الرمز الأكبر للمسلمين السنّة خلال العقدين الماضيين، مع العلم أنه لم يكن يعيش نزهة سياسية قبل الثورات الأخيرة، إذ كثيرا ما تعرض لهجمات شرسة من طرف أعداء الأمة، وبعض الأنظمة العربية بسبب مواقفه السياسية.

من اللافت أن مهاجمي الرجل لا يجدون الكثير من التهم يلصقونها به، فالرجل الذي جاوز الثمانين وليس لديه ما يطلبه، أكان مالا أم مناصب لا يتحرك إلا وفق ما يمليه عليه ضميره، لاسيما أن الدولة التي يعيش فيها لا تفرض عليه شيئا، حتى لو كان لها موقف سلبي مما يقول حيال هذه القضية أو تلك، وقد سبق للشيخ أن انتقد الأمير حين التقى أحد المسؤولين الإسرائيليين قبل سنوات، ولا قيمة لتذكير بعضهم لأغراض المناكفة بوجود قاعدة أمريكية في قطر، فالرجل يرفض وجودها، لكنها ليست قصة يرددها كل يوم.

الشيخ يجتهد في قراءة المواقف السياسية بناء على موازنة المصالح والمفاسد، وهو يحدد موقفه بناء على ذلك التقدير أكثر من أي شيء آخر، وقد يكون اجتهاده صائبا وقد لا يكون، لكن انحيازه الدائم للشعوب وقضية الحرية، ومعها قضايا المواجهة مع أعداء الأمة؛ يجعله أقرب إلى الصواب في معظم الأحيان، خلافا لعلماء يقيسون مواقفهم بناء على رضا الأنظمة، بل إن ثمة منهم من يحدد مواقفه بناء على مطالب مباشرة من أجهزتها السياسية والأمنية، وإلا فهل يصدق عاقل أن علماء سوريا يؤمنون بصواب البيان الذي أصدروه، أو أن الذين يقولون إن نظرية «ولي الأمر واجب الطاعة» تنطبق على بعض الأنظمة القائمة كما هو حال القذافي على سبيل المثال، فضلا عن حرمة المسيرات التي تنادي بالإصلاح؟!

لسنا هنا في معرض تقييم مواقف الشيخ الجليل من الثورات الأخيرة، والتي نحسبها صائبة إلى حد كبير، حتى لو توفر قليل من الخلاف بشأن الحدث البحريني، مع أن عاقلا لا يماري في وجود مطالب مشروعة للمعارضة البحرينية ينبغي الاستماع إليها من دون الإصرار على التغيير الشامل ضمن الظروف الموضوعية القائمة على مختلف الصعد، وهو ،عمليا، مضمون ما ذهب إليه الشيخ. وعموما فإن ما يعنينا هنا هو التأكيد على بعدين، الأول أن صوت الشيخ أصبح مصدرَ قلقٍ لافت للطغاة، أما الثاني فيتمثل في أن جماهير الأمة إنما تزداد انحيازا للشيخ وحبا له؛ كلما تصاعدت الهجمات التي تستهدفه.

حفظ الله الشيخ وزاده إصرارا على نصرة جماهير الأمة في مواجهة الظلم والطغيان. اللهم آمين.

.........

- عن صحيفة الدستور الأردنية، 2/5/2011.