د. محمد المحمد *
لقد انطلقت الثورة السورية وبسرعة قياسية فاجأت المراقبين بل والثوار أنفسهم وكأنها حلم يحقق المستحيل لقد كان بشار الأسد واقعياً جداً حين أكد أن ما حدث في تونس ومصر لا يمكن أن يتكرر في سورية فجميع المتابعين لمسيرة الحكم في سورية يعرفون مدى نجاح نظام الأسد الأب والابن في قمع وتحجيم جميع فئات الشعب السوري بحيث أن القاعدة كانت تقول لا صوت مع الأسد فالكل صمٌ بكمٌ فهم مفزوعون فعلى الصعيد الداخلي وعند موت الأسد الأب كان البلد خواء مطلق فحتى لو كان بشار بعمر الثلاث سنوات لا الخامسة والثلاثين لاستلم زمام الحكم من دون اعتراض فالحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في سورية صحراء قاحلة أحرقها حافظ الأسد ولم يبقى منها شيء حتى الرماد هجَّره للخارج لذلك فعند استلام بشار للحكم في سورية لم تظهر نقاط ضعفه فلا خصوم له أبداً بل مهرجون امتهنوا السياسة كسباً للمال وحولوها إلى تهريج لإرضاء الأسد الصغير وهكذا مرت السنوات من دون أن يشعر أحد لا الشعب ولا حتى بشار نفسه فالعقود في كوكب سورية تمر وكأنها ساعات.
لا يمتلك بشار عصى سحرية لإنجاز الإصلاحات يوم استلم السلطة ولا يمتلك حتى أفكار بعد أحدى عشر عاماً فما فائدة الأفكار هل ستوصله للسلطة فهو يمتلكها مسبقاً إذاً لا داعي لأفكار الإصلاح ولكن لا بد من الحديث عن الإصلاح بشكل دائم حتى يتذكر الشعب أنه أسير لدى السلطة تملك ماضيه حاضره ومستقبله وهو خانع ذليل لا يملك من أمره شيء فحتى التفكير هو حكراً على السلطة فلا داعي لأن يحلم الشعب فالنظام يحلم بدلاً منه بوعود الإصلاح والقاعدة أن لا يتحقق شيء منها حتى تظل أحلاماً في الخيال حتى يدمن الشعب على الحلم وينفصل عن الواقع هذا بالضبط هو ما خطط له النظام طوال الفترة الماضية وظن أنه نجح في ذلك لذلك كان خطاب بشار يسير ضمن نفس المخطط السابق وهو ما أكده في خطابه عندما اعترف بتأخير الإصلاح وبرره بأن هذا من طباع السوريين فلماذا الاعتراض ألستم مدمنون على الأحلام فها أنا أعدكم بالأحلام مجدداً كما وعدتكم بها سابقاً وأنتم تعرفون أني لن أحقق شيء منها.
بهذا المنطق يخاطب بشار الشعب السوري ولكنه مخطئ هذه المرة فكل المراقبين والسياسيين يعرفون أن قواعد اللعبة السياسية تغيرت منذ أن أحرق البو عزيزي نفسه في تونس ولكن بشار لا يفقه هذا ويقول يطلبون منَّا الانحناء للموجة ونحن لن ننحني فيرد عليه الشيخ القرضاوي بأن من يرفض التغيير سيداس بالأقدام وهذا ما حدث بالفعل مع من هو أكبر وأقوى منه قال الشيخ القرضاوي (سيداس بالأقدام) ولم تكد تصل هذه الكلمة إلى أسماع الثورة السورية حتى نفذتها بالحرف الواحد فرأينا شباب في نفس اليوم الذي قال فيه الشيخ القرضاوي ذلك في مدينة دوما يخرجون في مظاهرة ويسقطون لوحة معلقة في الشارع عليها صورة بشار الأسد وتدوس عليها كل المظاهرة إلا أن الشباب لم يكتفوا بهذا فقط بل فعلوا ما لم يقله القرضاوي فبعد أن داس آخر شاب على صورة بشار اجتمعوا ليحرقوها في وسط الشارع وأمام أعين الأمن السوري الذي لم يصدق ما يرى وجن جنونه فأطلق وابلاً من الرصاص على المظاهرة السلمية فسقط أكثر من عشرة شهداء وحوالي ستين جريحاً سكبوا دمائهم الطاهرة لإنجاز خارق لم يكن يحلم به أشد المتحمسين للثورة السورية وهنا أتوقف لأسأل هذا السؤال من كان يتوقع حدوث هذا بعد أسبوعين من بداية الثورة لقد تفاجأ المراقبون السياسيون من قدرة الثورة السورية على القيام بمظاهرة سلمية بعد مرور حوالي ثلاثين عاماً على آخر تحرك ضد النظام السوري أما بعد ما حدث في دوما فالعالم أكثر من متفاجئ والتلفزيون السوري عملاً بنصيحة سيف الإسلام القذافي بأن الإعلام يجب أن لا يظل صامتاً يورد خبر عن إحراق للعلم السوري في المظاهرات تغطيةً على فضيحة إحراق صورة بشار في دوما.
الآن وبعد هذا التطور الهائل للثورة السورية نستطيع القول أنها قطعت ربع الطريق في الهدف الذي أعلنت عنه ضد بشار الأسد وأن المدة لن تطول قبل أن تأخذ شكل شبيه بالصورة المصرية وهي الاعتصامات في الساحات العامة وبأعداد مليونية ربما نفس المدة منذ بدايتها أو أطول قليلاً تكون حينها قد قطعت نصف الطريق والعصيان المدني هو النصف الآخر حتى إسقاط النظام سنرى حينها كيف سيخرج القرضاوي ليقسم أن الثورة السورية منتصرة لا محال وفي حال حدوث ذلك فنحن سنقدم حينها دعوة باسم شباب الثورة للشيخ الجليل بالقدوم إلى دمشق ليؤم الجموع في صلاة جمعة النصر بإذن الله في ساحة الأمويين كما أمها في ميدان التحرير في القاهرة ليصير بحق شيخ الثورات العربية.
.........
- كاتب سوري، نقلا عن موقع مركز الشرق العربي.