فادي شامية
أصدر العلامة المصري الجنسية يوسف القرضاوي (مقيم في قطر) موقفين لافتين خلال الشهر الماضي؛ ما جرّ عليه أكثر من حملة استهدفت مواقفه، ومكانته، ورمزيته.. وحتى حياته الشخصية.
الموقف الأول تمثل برفض القرضاوي إقحام "الفتنة" في البحرين في عداد الثورات العربية، حيث اعتبر أن الاحتجاجات هناك ذات طابع مذهبي، وهي غير سلمية، وحتى غير وطنية، ما تسبب بامتعاض كبير من قبل الشيعة في البحرين خصوصاً، وفي الخليج عموماً، فضلاً عن التوتر في العلاقة مع "حزب الله" وإيران.
وعلى عكس موقفه من احتجاجات البحرين، فقد دعم القرضاوي الاحتجاجات في سوريا، منتقداً النظام، "الذي يقمع الشعب"، والذي "لا بد لقطار الثورة أن يصل إليه". قبل أن يعود ويقول في الأسبوع التالي: "البعث انتهى مع (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين، وانتهى عهد الأحزاب الشمولية"، وأن النظام الذي "لا يتغير يداس بالأقدام". وقد لاقى هذا الموقف رغم تجنبه انتقاد الرئيس بشار الأسد مباشرة- غضباً شديداً من النظام السوري ومن "حزب الله".
وكان نتيجة هذين الموقفين؛ هجمات إعلامية وسياسية قوية تعرّض لها العلامة القرضاوي، وصل بعضها إلى درجات هابطة في الإسفاف (مواقع انترنت تتناول حياة الشيخ الشخصية بعبارات نابية ومعلومات خاطئة). كما اتهمته مستشارة الرئيس السوري للشؤون الإعلامية بثينة شعبان بأنه "يثير فتنة"، فيما اتهمه مفتي سوريا أحمد حسون بالعمل على "تدمير البلاد وتسهيل احتلال أرضها وشعبها"، ولم يوفره السيد حسن نصر الله الذي انتقده دون ان يسميه، لأنه لم يناصر الاحتجاجات في البحرين.. وتحت تأثير هذه المواقف راح الإعلام الرسمي السوري وإعلام "حزب الله" يستصرح الناس حول كلام القرضاوي، ويروّج لانتقاداتهم وإساءاتهم له.
ولأن القرضاوي ليس فقيهاً وحسب (يمثل ما يشبه الأب الروحي للحركات "الأخوانية" كلها، وهو رئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين")، فإن الحملة عليه لا بد أن تحدث آثاراً في السياسة:
1- شكّل حجم التفاعل السلبي مع مواقف القرضاوي، من قِبل الجهات التي تقف وراء الحملات عليه؛ اعترافاً بأهمية الرجل وتأثيره. وإذا أضفنا إلى هذا المعطى تصنيف مجلة "فورين بوليسي" مؤخراً للعلامة القرضاوي "في طليعة الشخصيات المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط"، فهذا يعني أن القرضاوي يحظى باحترام واسع في الشارع الإسلامي، بما فيه السوري، وأن مواقفه قد أسهمت فعلياً في دعم الاحتجاجات، لذا فإن تواصل الحملة على القرضاوي من جهة، وإصرار الرجل على مواقفه من جهة أخرى، من شأنه مدّ المحتجين بمادة إضافية لتصعيد "ثورتهم" بدلاً من التقليل منها، وهكذا يصبح "تغيير تعامل الإعلام الرسمي السوري مع رموز الأمة" واحداً من مطالب الثورة، كما يظهر مؤخراً على الفايسبوك (أنشئت مجموعات تحت عنوان رفض التطاول على القرضاوي).
2- فيما يتعلق بحملة "حزب الله" على القرضاوي، فإن الأمر يبدو أكثر خطورة؛ لأنه يصب مباشرة في خانة تغذية التوتر المذهبي المتصاعد بين السنة والشيعة في لبنان والمنطقة، لذا فإن "حزب الله"، وعلى جاري عادته في الحالات المشابهة، يترك لمن يدور في فلكه أن يقول ما يتجنب الحزب قوله صراحة، ولا سيما السنة منهم، ولا بأس -والحال هذه- أن تنقل المنار مثلاً- أقوال هؤلاء المنتقدين بـ "براءة". (على سبيل المثال لا الحصر؛ صرح مصطفى حمدان بأن كلام القرضاوي: يتطابق والفتنة المذهبية الصهيونية في المنطقة!).
3- وضعت مواقف القرضاوي حركة حماس في وضع لا تُحسد عليه، فعلاقة الحركة بالقرضاوي وثيقة للغاية، لأسباب تنظيمية وسياسية وتربوية، كما أن علاقتها بالنظام السوري وثيقة أيضاً، لأن سوريا "قيادة وشعباً وقفت مع مقاومة الشعب الفلسطيني، وحقوقه المشروعة، واحتضنت قوى المقاومة الفلسطينية، وخاصة حماس، وساندتها في أحلك الظروف وأصعبها"، كما جاء في بيان حماس بشأن "الأحداث الراهنة في سوريا":، لكن هذا البيان لم يوقف ضغط السلطات السورية على الحركة في الشق المتعلق بالقرضاوي، وعلى هذا الأساس روّج الإعلام السوري وإعلام "حزب الله"- لأقوال منسوبة إلى رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، يقول فيها: "إنني أدعو الشيخ القرضاوي أن يحكّم ضميره ويتحرر من الضغوط التي تمارس عليه من قبل جهات يعتبرها هو موثوقة"، وأنه "حين طردنا الحكام العرب السنة آوتنا سورية وبشارها...لذا أقول للشيخ القرضاوي من منطلق المحب العاتب: اتق الله يا شيخ بفلسطين"، ولأن الترويج لهذه الأقوال غير الصحيحة كان واسعاً للغاية، فقد اضطرت الحركة إلى نفي "المواقف المنسوبة إلى رئيس المكتب السياسي للحركة بشأن الأحداث في سورية، وخاصة ما يتعلق بفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، نفياً قاطعاً"، مع التأكيد على بيان الحركة الذي يعتبر "ما يجري في الشأن الداخلي يخص الإخوة في سورية، و "نحترم إرادة الشعوب العربية والإسلامية وتطلعاتها" كما جاء في بيان الحركة الأول، غير أن الإعلام السوري وإعلام "حزب الله"؛ أهمل النفي والتوضيح واستمر بالترويج إلى دعم حماس للنظام السوري!.
4- خلّفت الحملة على القرضاوي استياءً كبيراً في صفوف "الجماعة الإسلامية" في لبنان، صحيح أن الجماعة لم تصدر بياناً رسمياً في الدفاع عن القرضاوي، إلا أن مواقف أبرز قياداتها عبّرت عن حجم الاستياء، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فقد ألقى الشيخ أحمد العمري، رئيس لجنة القدس في "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" خطبة نارية يوم الجمعة (1/4/2011) في مسجد الروضة وسط الضاحية الجنوبية، مؤكداً "رفض التطاول على إمام الأمة وشيخ ثوراتها"، ومشيراً إلى أن "القرضاوي عندما كان في طلائع الإخوان المسلمين في حرب 48 ضد الصهاينة، لم يكن من يتطاولون عليه قد ولدوا بعد... ولا بد من وضع حدود عندما تتطاول الألسن على مرجعياتنا الكبرى"، وصولاً إلى قوله: "من أراد التكلم عن الظلم والحقوق فليتكلم عن حقوق وظلم أهل السنة في إيران"، كما تناول نائب الأمين العام لـ "الجماعة الإسلامية" الشيخ محمد عمار خطبة في السياق نفسه، في مسجد الإمام الحسين في صيدا (1/4/2011)، أكّد فيها على دعم "المظلومين الأبطال في سوريا"، ورفضه القاطع لـ "التطاول على شيخ الأمة؛ القرضاوي". ومن المفترض صدور المزيد من المواقف المنددة بالتعرض للقرضاوي، ما سيترك آثاراً على علاقة الجماعة بـ "حزب الله" على وجه التحديد، على اعتبار أن العلاقة مع النظام السوري ضعيفة أصلاً.
5- وسط توقعات باستمرار القرضاوي على مواقفه، -إن لم يتجه نحو مزيد من التصعيد كما فعل الأسبوع الماضي، رغم مواقف قطر وإعلام الجزيرة، الذي يتعامل مع الحدث السوري بـ"نعومة" واضحة- فإن حملة التضامن معه سوف تكبر، متخذة مواقف عملية، على صعيدين بارزين:
أولاً: "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، الذي أصدر بياناً واضحاً دان فيه "الاعتداءات على المتظاهرين في سوريا؛ بالقتل والاعتقال وانتهاك حرمة المساجد"، داعياً الرئيس السوري إلى "رفع المظالم وإجراء إصلاحات شاملة"، على أن تبقى بياناته رهن ما يجري.
وثانياً: على صعيد الحركات الإخوانية في العالم، ولا سيما في مصر التي ينحدر القرضاوي منها، والتي أبلغت من يعنيه الأمر، "استياءها الشديد، من التعرض للقرضاوي"، تاركةً التعبير عن موقفها؛ سواء بالأقوال أو الأفعال، رهن تطور الأحداث.
- المصدر: صحيفة "اللواء"