محسن الهاجري
فاجأني أحد الأصدقاء بمجموعة كبيرة من الرسائل الثائرة الغاضبة الحانقة (وأستثني كلمة الحاقدة إلى حين) على شيخنا الجليل والعلامة الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي - رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - وهو يتهجم عليه شخصاً وآراءً وفكراً.. فلم يبق ولم يذر.. كل ذلك بسبب تصريح الشيخ مؤخراً من خلال خطبة الجمعة بمسجد عمر بن الخطاب في الدوحة حين صرّح بأن العمليات الجوية التي تقودها قوات التحالف بقيادة حلف الناتو وذلك بعد رغبة وموافقة عربية على ذلك.. أن تلك العمليات لا تعد غزواً ولا حرباً صليبية في سياق ردّه على مقولات الطاغية معمر القذافي.

إن ما قاله الشيخ القرضاوي في تصريحه ذلك لم يكن غريباً على عاقل، بل لم يأت الشيخ ببهتان عظيم عندما أوضح شيئاً واضحاً للجميع بأن تلك القوات ما جاءت إلا بعد طلب من الدول العربية وبعد موافقتها على " تدخل " قوات التحالف لوقف سلسلة المذابح والمجازر التي ارتكبها ومازال يرتكبها الطاغية معمر القذافي مع إخواننا العرب والمسلمين في ليبيا، فأين هي الحرب الصليبية من قبل تلك القوات التي ردعت هذا الطاغية المستبد بشكل كبير في إيقاف سلسلة غاراته الإجرامية اليومية ضد شعبنا العربي الأصيل في ليبيا، خاصّة أن كل ما فعلته قوات التحالف إلى الآن عبارة عن حظر جوي لطائرات كتائب القذافي بالإضافة إلى ضرب مواقع معادية للشعب الليبي كانت تنطلق منها قنابل وصواريخ تستهدف إبادة شعب مسلم مسالم أعزل.

استغربت هذا الهجوم على الشيخ القرضاوي بل واستغربت كذلك من تلك السلسلة الطويلة المتعاقبة من الرسائل الموجهة إلى هاتفي من هذا الصديق الذي يحمل أفكاراً غريبة في بعض الأحيان، فما شأني أولاً بما قاله الشيخ القرضاوي رغم قناعتي برأي الشيخ تماماً؟، هل اعتبرني هذا الصديق بمثابة أحد العاملين في مكتب الشيخ القرضاوي كي أوصل له هذه الرسائل المشحونة بهذا الغضب والاستنكار؟!

أم أن هذا الصديق اجتهد في خطوته تلك واعتبرني ممثلاً للشيخ القرضاوي خاصة أنه يعرف مدى تأييدي لآراء الشيخ في كثير من المسائل وغاب عنه في حينها أنني أؤيد الكثيرين كذلك من علماء الأمة الآخرين ممن قد نتفق معهم أو قد نختلف قليلاً ولكننا في الغالب نقف معهم في أغلب ما يقولونه لأن ما يقولونه في الغالب يمثل رأي جمهور العلماء، فلم يشذّوا عن القاعدة في ذلك ولم يبيعوا مبادئهم ولا أنفسهم للغرب أو لأحد من طغاة العالم العربي والإسلامي كما تساقط غيرهم وانكشف بعضهم الآخر في ولائه للطغاة عندما حمي الوطيس.

استغربت بشكل أكثر من هذا التحامل الشنيع على الشيخ القرضاوي من رجل لا يحمل الكثير من العلم الشرعي ولكنه قفز إلى مرحلة تصنيف العلماء بل والرد عليهم، بل والأبشع من ذلك هو عدم احترامه لعلماء الأمة – مهما أساءوا أو أخطأوا – فإن البعض يشن هجوماً غريباً عجيباً عليهم في الوقت الذي يعلمنا فيه الإسلام أننا يجب أن نوقّر كبيرنا (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا) ناهيك عن كون هذا الكبير هو شيخ عالم جليل قضى جُل حياته خدمة للإسلام ودعوة إلى الله من خلال كتبه ومحاضراته وجميع صولاته وجولاته.

هل وصل حال شبابنا أن تجرأوا على علمائهم لهذه الدرجة من التطاول والتجريح؟ أم أنهم قد فقهوا في مرحلة وجيزة ووصلوا إلى مرحلة من العلم فأصبح أحدهم يطعن في مقولات وآراء العلماء يمنة ويسرة في المجالس وفي المقاهي بلا تمييز بين النقد الموضوعي وبين الغيبة الذميمة التي شبهها رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنها كأكل لحم الأخ المسلم فما بالك إذا كانت الغيبة في عالم مسلم..أليست تلك غيبة مغلّظة؟

إن ما يؤسف له هو أنك تجد وسط مآسي المسلمين وما يجري لهم في الأمة الإسلامية من قتل وإبادة وهتك أعراض وتشريد وتعذيب.. ورغم وصول الخبر كاملاً عبر الصورة والفيديو من خلال القنوات الفضائية المختلفة وعبر الإنترنت وغيره، إن ما يؤسف فعلاً هو أن نرى فئة تأبى إلا أن تعمي أبصارها عن رؤية ما يحدث، وياليتهم سكتوا " فنقطونا بسكاتهم " كما يقول المصريون ولكنهم نطقوا وتطاولوا بل وأيدوا الطغاة على إخوانهم المسلمين بحجج واهية تعبر عن فهم سقيم للدين، فما لبثت بعد أن قرأت رد صاحبي هذا باستدلاله بحديث: (وإن تأمر عليكم عبد حبشي..)..

علمت بأنه قد فقد الاتزان العقلي الذي يرجح الحق على الباطل، وأنه فقد البوصلة التي ترشده بأن عموم الأمة ضد ما يحدث من تلك الجرائم ضد إخواننا المسلمين في ليبيا، وأنه ضائع في فضاء التخبط الفكري الذي يريده الطاغية معمر القذافي بمقولاته الساذجة عندما اتهم شعبه بأنهم جرذان تارة وبأنهم متعاطو مخدرات وبأنهم وبأنهم..

بعد أن ترجّى الغرب لنصرته في ذبح شعبه ولجأ للبوذيين والشيوعيين وأغراهم بالبترول فلم يُجدِ ذلك شيئاً، وأغرى الغرب بالبترول واتهم شعبه بأنهم من القاعدة تارة ومن طالبان تارة بهدف تحريض الغرب لضربهم.. حتى إذا انتهت كافة وسائله الخطابية الغبية.. أدركه الغرق فقال: إنها حرب صليبية!!، ووسط تلك الأفكار الشاذّة المجنونة.. ربما وافق إحداها فكر أحد من هنا أو هناك ممن لا يمثّلون سواد الأمة ولا عمومها.. فاقتنعوا بمقولات هذا المعتوه، فأخذوا بترديدها هنا وهناك، فلم ألبث بعد تلك السلسلة من الرسائل إلا أن أرسلت لصديقي رسالة أخيرة كتبت فيها: "الله يهديك".

- المصدر: الشرق القطرية