فهمي هويدي

اختطف الشيخ يوسف القرضاوى ثورة شعب مصر بالخطبة التى ألقاها فى ميدان التحرير يوم جمعة النصر (18/2)، وأعاد إلى الأذهان صورة الإمام الخمينى حين عاد إلى طهران بعد سقوط الشاه. ومن ثم نصب نفسه مرشدا أعلى للثمانين مليون مصرى، ولم يحتمل حراسه أن يظهر إلى جانبه أحد الشبان الذين أسهموا فى تفجير الثورة، إذ منعوه من الصعود إلى المنصة لمخاطبة الجموع المحتشدة. وبفعلته الشنعاء تلك فإن خطرا داهما بات يهدد ثورة الشعب، لذلك فإن الجميع ينبغى استنفارهم للحيلولة دون تكرارها.

كانت تلك هى الصورة التى أبرزتها أغلب المنابر الإعلامية فى مصر، والتى كادت تستقر فى الوجدان العام. ومن ثم صارت موضوعا للتنديد والنقد من جانب بعض الرموز المحترمة، ولا تسأل عن أصدائها لدى غير المحترمين من المتربصين والصائدين والهجائين. إلا أننى فوجئت بحوار يرسم صورة مغايرة للمشهد، جاءت على النقيض تماما مما روجته تلك المنابر، هذا الحوار نشرته مجلة المصور (عدد 23 فبراير)، وأجرته الزميلة مروة سنبل مع الشاب سيد أبوالعلا، أحد المنظمين الذى قيل إنه منع وائل غنيم أحد رموز الثورة من الحديث إلى الجماهير. الحوار المنشور دار كما يلى:

* ما هو انتماؤك السياسى؟

- مؤمن بالأفكار اليسارية وغير منتم لأى حزب سياسى.

* ومن كان يقود تنظيم المليونية يوم الجمعة؟!

- اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة وتضم ستة ائتلافات شبابية تمثل شبابا من جميع الانتماءات والتيارات السياسية بمن فيهم شباب الإخوان بالإضافة لمجموعات كبيرة من الشباب غير المسيس إطلاقا. وتتولى هذه اللجنة التنسيقية تنظيم «مليونيات» ميدان التحرير.

* لماذا منعت وائل غنيم من الصعود إلى منصة الاحتفال؟

- كان لدينا برنامج محدد مسبقا لستة متحدثين عن الائتلافات الستة. ووائل لا يشارك فى أى ائتلاف شبابى فى مصر الآن بالإضافة إلى أنه دعا إلى عدم تنظيم «مليونية» فلماذا جاء إلى الميدان؟ـ غنيم أخطأ فى حق نفسه والآخرين من شباب الثورة عندما طلب من الناس مغادرة الميدان. لذلك هناك انقسام حوله بسبب تصريحاته وآرائه المختلفة والمتناقضة.

* ما هى تفاصيل الحوار الذى دار بينك وبين غنيم؟

- كان حوارا مقتضبا، حيث حضر غنيم للميدان فى حوالى الثانية ظهرا وأراد اعتلاء المنصة فقامت مجموعة من الشباب الذين يتولون تنظيم سلم المنصة - وهم متطوعون غير مسيسين - بمنعه، فذهبت وقلت له أنت دعوت لعدم التظاهر.. فلماذا أتيت، كما أنك لست ضمن البرنامج المقرر لهذا اليوم.

* وماذا كان رد فعله؟

- انصرف وانتهى الموقف عند هذا الحد. ولم يكن هناك دور فعلى للإخوان فى هذا الأمر.

* من الذى اختار القرضاوى ليؤم الصلاة والخطبة فى الميدان؟

- الشيخ يوسف القرضاوى طلب من الشباب المنظمين أن يحضر للصلاة فى الجمعتين السابقتين على جمعة النصر وكان ردنا هو تأجيل هذا الأمر لأن الثورة مازالت مستمرة ولم تحقق مطلبها الأول بعد وهو التنحى، وقد استشرنا وقتئذ مجموعة من العلماء المقربين من القرضاوى فأيدوا رأينا. وحين كرر الفكرة فى الجمعة التالية وكانت بعض المطالب قد تحققت بالفعل فكان قرار اللجنة التنسيقية بالموافقة.

* وماذا عن دور الإخوان فى ذلك؟

- الإخوان أبدوا تحفظا على حضور القرضاوى حتى لا تحسب الثورة للتيار الدينى ولكن كان القرار النهائى للجنة التنسيقية.

* البعض يعتبر أن منع غنيم من المنصة يوم الجمعة تم بأمر الإخوان الذين تصدروا المشهد؟

- لم يحدث هذا.. الإخوان كغيرهم من التيارات المشاركة إلا أنه لا يستطيع أحد أن ينكر أنهم من أكثر القوى تنظيما وقد شاركت فى الثورة بشكل كبير. وأؤكد على أنهم لا يقودون أى عمل من الأعمال الثورية.

* ماذا تعنى بذلك؟

- أقصد أن النسبة الأكبر من المشاركين فى الثورة من المستقلين وشباب غير مسيس وهى النسبة الأكبر والأهم فى ميدان التحرير وغيرها من ميادين مصر، ولكنهم غير منظمين، لذلك ظهر فى المشهد الإخوان، لأنهم الأكثر تنظيما.

عندى ملاحظتان على هذه الشهادة. الأولى أنه كانت هناك مسارعة إلى التأويل والتنديد والاتهام. تكاد تصب فى محاولات التخويف والترويع حتى من خطبة شديدة التوازن ألقاها واحد من أكبر علماء المسلمين فى يوم الجمعة. وقليلون هم الذين وقفوا عند مضمونها الإيجابى، فى حين أن الأكثرية ظلت تحت تأثير ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التى روجت لها أبواق أمن الدولة ورحب بها الناقمون والكارهون.

ملاحظتى الثانية أن تلك الصورة الشائهة لما جرى يوم جمعة النصر صدقها بعض المسئولين فى الدولة، مثل رئيس الوزراء وبعض أعضاء مجلس الدفاع، ودعوا فى أحاديثهم إلى الحذر من تكرارها. فى حين يفترض أن هؤلاء يستقون معلوماتهم من مصادرهم التى تتحرى حقائق ما يجرى، وليس من الصحف السيارة أو البرامج التليفزيونية التى مازالت تعيش أجواء مسلسل «الجماعة»!. ولو أنهم يتخذون قراراتهم بناء على معلومات مصادرها من ذلك النوع الأخير لأصبحنا بصدد مشكلة كبيرة!.

- المصدر: صحيفة الشروق المصرية