ياسر الزعاترة
لم يكن العلامة الشيخ يوسف القرضاوي هو وحده من انتقد مواقف السلطة من حرب غزة ، كما لم يكن هو وحده من انتقد موقفها من تقرير غولدستون ، لكنه هو بالتأكيد منْ أطلق شرارة الحرب على الجدار الفولاذي الذي يُبنى على الحدود المصرية مع فلسطين (من جهة القطاع) ، في حين أيدت الجدار المذكور قيادات السلطة من أعلى الهرم وحتى وزير الأوقاف.
في هذا السياق يمكننا أن نفهم الحملة الجديدة على الشيخ القرضاوي من طرف الذين سيطروا على حركة فتح عبر مؤتمر بتسهيلات الاحتلال ، ومعهم رموز سلطة يتحركون ببطاقات "الفي آي بي" التي تصدرها سلطات الاحتلال ، فضلا عن مساكين تأخذهم لغة الحزبية والثأر دون وعي ولا منطق.
الهجمة الجديدة على الشيخ القرضاوي ليست جديدة ، وهي امتداد لمواقف إسرائيلية وغربية من الرجل ، كما هي امتداد لمواقف بعض الأنظمة العربية منه ، والسبب يتمثل بشكل أساسي في انحيازه (حفظه الله) إلى قضية الأمة المركزية في فلسطين دون خوف ولا وجل، وانحيازه كذلك للغة المقاومة ، بما فيها العمليات الاستشهادية في وقت وقف العالم كله على صعيد واحد ضدها.
القرضاوي الذي يتميز بالوسطية في الفقه ، لا يحمل العصا من الوسط عندما يتعلق الأمر بمصالح الأمة في مواجهتها مع أعدائها ، ولذلك فهو يتعرض وسيظل يتعرض للمزيد من الهجمات ، لكن أن تأتي آخرها من طرف محسوبين على قضية فلسطين ، فتلك طامة كبرى من دون شك ، لا سيما حين يصل الحال مستوىً غير مسبوق من الإسفاف ، مثل وصفه من قبل مواقع فتحاوية بالجنرال جوزيف القرضاوي ، فيما وزعت وزارة أوقاف السلطة أول أمس الجمعة خطبة موحدة تهاجمه بالاسم أدت إلى إشكالات في عدد من المساجد ، فضلا عن وضعه في سياق واحد مع نتنياهو في بيان اللجنة المركزية لحركة فتح الذي قال إن هذه الهجمات (هجمات نتنياهو والقرضاوي،،) "لن تنجح في كسر إرادة شعبنا وإرادة قيادته الوطنية المتمسكة بأهداف شعبها الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف".
هكذا يكون الشيخ مثل نتنياهو عائقا في وجه تحقيق الهدف المذكور،، في تبرير الهجمة على الشيخ يقول القوم إنه طالب برجم الرئيس الفلسطيني ، بينما أوضح أنه لم يقل ذلك ، وكل ما صدر عنه بحسب قوله هو أن من "حرّض إسرائيل على ضرب غزة لا يستحق الإعدام فقط ، بل يستحق الرجم ، وأظن أن أحدا لا يستطيع أن يُنكر عليَّ هذا ، ولا محمود عباس نفسه. هل يُنكر أن من يخون قومه ومن يدعو عدوه إلى ضربهم بالقنابل لا يكفي الإعدام في حقه؟ إنما يجب أن يُرجم كما رُجم العرب قبر "أبي رغال" الذي دلّ أبرهة الحبشي على طريق مكة لهدم الكعبة فرجموا قبره" ، وهو ما ينطبق بالطبع على من وقف طالب بتأجيل التصويت على قرار القاضي غولدستون.
أيا يكن الأمر ، فتلك قضية قديمة ، وما تسبب في فتحها من قبل أولئك هذه الأيام هو موقف الشيخ من الجدار الفولاذي ، فضلا عن السعي لتشويه صورته ، ومجاملة الجهات التي تهاجمه ، تماما كما جاملوها بتأييد الموقف من الجدار المذكور.
والحال أن مثل هذه الهجمات البائسة والمريضة لن تشوّه صورة الشيخ الجليل الذي يعرف القاصي والداني حقيقة مواقفه ، ربما باستثناء بعض الموتورين والحاسدين الذين لا تُسمع أصواتهم إلا في مواقف التخذيل للأمة ومطالبتها بالركون للظلم والظالمين.
مثل هذه الهجمات سترتد على أصحابها ، وإذا كان بوسعهم أن يجدوا مؤيدين لهم في الداخل الفلسطيني بفعل الانقسام وشبكة المصالح القائمة والمعروفة ، فإنهم بهجماتهم تلك يكرّسون خسارتهم للغالبية الساحقة من أبناء الأمة في الخارج ، والذين يثقون بالشيخ ومواقفه ، بينما يرفضون دون تردد النهج السياسي الذي يتبناه أولئك مهما حاولوا تسويقه عبر التغني بالتاريخ والتمسك بالثوابت (أية ثوابت؟).
........
- المصدر: صحيفة الدستور الأردنية.