السؤال: أنا شاب أبلغ من العمر نحو 27 سنة، وقد تزوجت فتاة، ومر على زواجنا عام، ونحن على أسعد حال، وفجأة عرضت لزوجتي أعراض غريبة فبعد ذلك الهدوء والسكينة التي كانت من أوصاف بيتنا، انقلب الحال إلى عواصف وزوابع، فامتلأت سماء المنزل بالصراخ والكلام الذي لا فائدة منه، حتى ولو لأمر تافه، وبدأت أفكر وأفكر، ولكن بدون جدوى.. وبعد عناء طويل نصحني أهلي وأقاربي..  وألحوا في ذلك بأن أعرضها على "المطوع" ومن كثرة هذا الإلحاح، لبيت طلب الأهل وعرضتها عليه، وأجابني بقوله: إن في رأسها جنيًا.. وتحتاج إلى قراءة ومحو لمدة خمسة عشر يومًا.. وبعد هذه المدة أعمل لها "جامعة" وتعلق في رقبتها.. وبدأ عمله على الفور.. ومضت المدة المقررة ولم يفلح.. بل بقيت كما هي.. فما رأيكم في هذه الأشياء، هل لها أصل في الدين أم أنها من أبواب الحيل والتدجيل وعيش المحتالين؟

 

 

جواب فضيلة الشيخ:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فقد نهى الإسلام عن تعليق التمائم وجعلها طريقا يؤدي بصاحبه إلى الشرك، أما الرقية فهي جائزة بشروط:

 

1- أن تكون بذكر الله تعالى وبأسمائه.

 

2- أن تكون باللسان العربي وما يفهم معناه.

 

3- أن يعتقد أنها لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى.

 

وكان الواجب على السائل أن يعرض زوجته على طبيب مختص لا أن يذهب إلى الدجالين والمشعوذين، فقد أمرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن نأخذ بالأسباب فقال "تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء"، وهذا ما أفتى به فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فيقول فضيلته:

 

لقد جاءت الأحاديث تحذر المسلمين من مثل هذه الأمور، وتنهى أن يعتمدوا في علاجهم وتداويهم على مثل هذه التمائم ؛ قد سماها الإسلام تمائم، وهي أشياء كانوا يعلقونها على الأولاد ونحو ذلك لتدفع الجن أو تدفع العين أو ما أشبه ذلك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الرقي والتمائم والتولة شرك" .

 

والتولة: بوزن عنبة لون من السحر تلجأ إليه المرأة تتحبب به إلى زوجها فيما تزعم.. رواه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه وأقره الذهبي، والرقي جمع رقية وهي أن يرقي الشخص ويعزم عليه بكلام لا يفهم.. فهذه الرقي ممنوعة.. إلا ما كان منها مأثورًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل: "اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا". (رواه أحمد والبخاري عن أنس).

 

وقد قال العلماء: إن الرقي جائزة بثلاثة شروط:

 

أولاً: أن تكون بذكر الله تعالى وبأسمائه.

 

وثانيًا: أن تكون باللسان العربي وما يفهم معناه.

 

وثالثًا: أن يعتقد أنها لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى.

 

والتمائم التي كانوا يعلقونها ومازال كثير من الناس يعلقونها وقد سماها السائل " الجامعة " ويسميها البعض الآخر الحرز أو الحجاب أو ما شابه ذلك ... كل هذه نهى عنها الإسلام، وقد جاء رهط من عشرة أشخاص يبايعون النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايع تسعة منهم وأمسك عن واحد، فلما سئل في ذلك قال: إن في عضده تميمة . فأدخل الرجل يده فقطعها فبايعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "من علق تميمة فقد أشرك" (رواه أحمد والحاكم وأبو يعلى بإسناد جيد)، أي علقها وتعلق بها قلبه.

 

وروى الإمام أحمد عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر في عضد رجل حلقة من صفر(أي من ذهب ) . فقال: ما هذه ؟ - منكرًا عليه - قال: ألبسها من الواهنة.. (من مرض أصابه في منكبه) فقال: "أما إنها لا تزيدك إلا وهنًا، انبذها عنك ؛ فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا".

 

ومن هنا كان الصحابة والتابعون ينكرون هذه التمائم أشد الإنكار حتى إن حذيفة رأى رجلاً معلقًا خيطًا من هذا النوع عليه، فقرأ قول الله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (سورة يوسف: 106) وعن سعيد بن جبير قال: "من قطع تميمة من عنق إنسان كان كعدل رقبة" أي كأنه أعتق رقبة .

 

وعن إبراهيم النخعي - من كبار التابعين - قال: "كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن ومن غير القرآن" حتى التمائم من القرآن.. أي إذا علّق آية من القرآن ونحو ذلك..

بعض الناس رخص فيها وآخرون منعوها، والراجح أن التمائم كلها لا تجوز ؛ لأدلة معتبرة:

 

أولاً: لأن الأحاديث التي جاءت بالنهي جاءت عامة ... لم تفرق بين نوع من التمائم وآخر . وحينما أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرجل التميمة التي يلبسها لم يقل له: هل فيها قرآن أولا ؟ وإنما أنكر التميمة من حيث هي.

 

وثانيًا: سدًا للذريعة: فإن من يعلّق القرآن يعلّق غيره، والذي يراه لا يعرف إن كان هذا قرآنًا أو غير قرآن.

 

وثالثًا: إن هذا يعرض القرآن للامتهان والابتذال.. فهو سيدخل بها الأماكن النجسة ويقضي حاجته ويستنجي وقد تصيب الإنسان جنابة، أو المرأة الحيض، وهو لابس هذا الشيء الذي فيه آيات القرآن.

 

لهذا كان الصحيح أن التمائم كلها ممنوعة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - داعيًا على أصحاب هذه التمائم: "من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له" أي لا ترك الله له، ولا تركه يعيش في دعة.

 

فهذه هي تعاليم الإسلام، وكان الواجب على هذا الأخ السائل أن يعرض زوجته حين وجد هذا المرض على طبيب، فإما أن يعالجها وإما أن يحيلها على طبيب أخص منه بعلاج هذا النوع من الأمراض .

 

فالذي يبدو من هذه الأعراض أنها مصابة بمرض عصبي.. بالصرع أو نحو ذلك، فلابد أن تعرض على الطبيب الذي يعالجها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:  "تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء.." (رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم وقال الترمذي: حسن صحيح) .

 

وجاء في صحيح البخاري عنه عليه الصلاة والسلام: "إنما الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، أو شرطة محجم، أو كي بنار" فلم يجعل الشفاء في التمائم ولا في القراءة ولا في نحو ذلك، وإنما جعلها في الأمور الطبيعية وهي جوامع الطب، ما يتناول عن طريق الفم، ومثله الآن الإبر ونحوها، وشرطة المحجم: العمليات الجراحية، والكي، ومثله الآن الجلسات الكهربائية، فكل هذا من الطب الذي جاء به الإسلام، والذي شرعه الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد تداوى عليه الصلاة والسلام واحتجم وجيء له بالطبيب، وأمر أصحابه وأمته بالتداوي، فالأولى بنا أن نتبع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن نعرض عن مثل هذه الأساليب، فإنها كما قال الأخ "عيش المحتالين".

 

ونسأل الله أن يوفقنا لما فيه رضاه، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا، وأن يفقّهنا في ديننا حتى نتعلم الطريق القويم، والصراط المستقيم. إنه سميع قريب.

 

والله أعلم