|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وبعد..
فقد طالعتنا الصحف منذ أيام، بتصريحات مفاجئة ومتأخرة لرئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، والرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ينتقد فيها الممارسات الشيعية الإيرانية المرفوضة، من شتم الصحابة، وأمهات المؤمنين، والاحتفال بمقتل سيدنا عمر بن الخطاب الخليفة الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنا لنشكره على هذا القول الحر الشجاع، ونضيف نحن إلى ذلك: وتعظيم قبر أبي لؤلؤة المجوسي قاتل عمر بن الخطاب، وعدم إقامة مسجد واحد للسنة في طهران، والتضييق على المسلمين السنة في إيران، ومحاولة نشر المذهب الشيعي في البلاد والمجتمعات السنية، وإضعاف السنة في العراق، ومقاتلتهم في سوريا بجانب النظام الطائفي المستبد القاتل، نظام بشار، إلى كثير مما لا يحصى من الممارسات الإيرانية الشيعية ضد إخوانهم المسلمين السنة.
والسنة في الحقيقة ليسوا فرقة من الفرق تقابلها الشيعة، بل هم السواد الأعظم، والجمهور الأكبر للأمة الإسلامية حقيقة، أكثرها عددا، وأوسعها مساحة، هم من حملوا الإسلام وحموه ودعوا إليه وضحوا في سبيله، ولولاهم لظل أهل إيران يعبدون النار، ويقولون بإلهين اثنين!
لكم دعونا إخواننا الشيعة منذ سنوات إلى ما انتبه إليه السيد رفسنجاني، وصغنا ذلك في مبادئ عشرة للتقريب بين الفرق الإسلامية، ليجد فيها كل قارئ منصف الخير لكل أبناء الإسلام على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم؛ لأن الإسلام فوق المذاهب كما أن الأمة فوق الطوائف.
وزرت طهران بنفسي في الولاية الثانية للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. واهتم بزيارتي ولقائي آيات الله، وحجج الإسلام، ورجالات إيران، وأكدت على هذه المعاني، في كل لقاءاتي بطهران والمدن المختلفة.
وأرسلنا وفودا من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وشاركنا في مؤتمرات وندوات وجلسات للتقريب بين الفرق الإسلامية، وانتظرنا أن نرى من إخواننا في إيران أفعالا على الأرض، تؤكد صدق توجههم للتقريب فعلا لا قولا، فلم نجد إلا كلمات المجاملة في مؤتمرات التقريب، وفرق القتل للسنة على الهوية في العراق، ومساندة النظام الغارق في دماء السوريين، ومحاولات تشييع المسلمين السنة في سائر البلاد!!
طالبنا آيات الله بتحريم هذه الممارسات تحريما صريحا -بل ما الذي يمنع إيران الدولة من تجريم هذه الممارسات- وعقدنا مع الرئيس رفسنجاني نفسه لقاء تلفزيونيا شهيرا، لنعلن فيه على الملأ ما يجب علينا كعلماء مسلمين أن نعلنه، سنة وشيعة معا، لكن غلب على السيد رفسنجاني وعلى علماء إيران الانتماء للقومية على الانتماء للدين.
أما وإذ وصل رفسنجاني ومن معه إلى هذه القناعة، فإننا ننتظر منهم واقعا لا خيالا، وأفعالا لا أقوالا، حول هذه القضايا، كما نريد أن نسمع منه ومن غيره دعوة صريحة لانسحاب الإيرانيين والعراقيين الشيعة من سوريا، كفاهم قتلا لمن خرج يطالب بحريته، مثلما طالب بها الإيرانيون من قبل.
وغير ذلك إنما هي أقوال، لا تجدي نفعا في توحيد ولا تقريب، ولا أي تخفيف مرحلي.
على أننا نرحب بما صدر عن رفسنجاني، فأن تصل متأخرا خير من ألا تصل، ونرحب ببعض الفتاوى والتصريحات التي قرأناها مؤخرا تصب في نفس الاتجاه، وندعو إلى مزيد من الجهد الحقيقي، الذي نرى فيه عالمنا الإسلامي، وقد انبرى لمعالجة مشكلاته القائمة، والسعي إلى نهضة بلاده، وسعادة أبنائه، ودعوة البشرية إلى خيري الدنيا والآخرة.
اللهم اجعل يوم هذه الأمة خيرا من أمسها، وغدها خيرا من يومها، ووفق اللهم أبناءها إلى عمل الخير وخير العمل.
يوسف القرضاوي
رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين