السؤال: ما الحكمة من إرسال يوسف عليه السلام إلى أهل مصر، فهم كانوا موحدين، نادى فيهم إخناتون بالتوحيد من قبل، ولم نعلم أن قوم مصر عارضوه أو قاتلوه كما هو شأن كل نبي؟ وعلى ذلك هل مغزى قصة يوسف عليه السلام أن جهاد النفس بالصبر والإيمان هو الجهاد المقصود وأنه بصلاح الوالي تصلح الرعية، وأن هداية الوالي هداية لأمته.
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
يبدو أن الأخ الكريم لم يقرأ قصة يوسف في القرآن قراءة جيدة؛ لأن يوسف عليه السلام بعث في قوم وثنيين، هذا ما نطق به القرآن الكريم، وهو أمر واضح، يذكر القرآن أن يوسف عليه السلام قال للسجينَيْن معه: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍإِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف:39-40).
وأحب أن أقول للأخ: إن الذين كانوا يحكمون مصر في ذلك الوقت لم يكونوا الفراعنة، وإنما كانوا ملوك الرعاة، أو العمالقة الذين وفدوا من الجزيرة العربية، وهم الهكسوس؛ ولذلك من إعجاز التعبير في القرآن أنه لم يسمِّ الحاكم هنا فرعون، التوراة تسميه: فرعون مصر، أما القرآن فيسميه الملك: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} (يوسف:54)، فكان حاكم مصر في ذلك الوقت الذي يمثِّل السلطة العليا يلقب بالملك، وتحت سلطانه العزيز، وهو بمنزلة رئيس الوزراء اليوم، ويمثل السلطة التنفيذية، فحكام مصر في ذلك الوقت لم يكونوا فراعنة، وإنما كانوا من العمالقة، وظلوا يحكمون مصر إلى أن طردهم أحمس وأعاد حكم الفراعنة.
وأضيف أن ما دعا إليه أخناتون لم يكن توحيدًا خالصًا، وإنما توحيد مشوب بالوثنية، كما حكى ذلك المؤرخون الذين أرخوا للفراعنة وأسرهم، وأعتقد أن ذلك كان بعد يوسف عليه السلام، ولم يكن قبله.
ثم إن الأخ يقول بأنه لم يعرف أن القوم عارضوه، ولو قرأ القرآن لعرف ذلك، في سورة غافر على لسان مؤمن آل فرعون وهو يدعو المصريين من قومه: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} (غافر:34)، معنى ذلك أنهم لم يصدقوه، ولم يؤمنوا به، ولم يدخل في رسالته إلا أفراد منهم، فالكلام الذي يقوله الأخ مبنيٌّ على دراسة قاصرة وناقصة للقرآن الكريم، لو تأمل القرآن وتأمل سورة يوسف كلها لوجد أن القوم وثنيون من غير شك.
ولذلك العلماء يأخذون من قصة يوسف أنه يجوز للإنسان المؤمن أن يكون وزيرًا في حكومة إنسان كافر؛ إذا كان في ظنه أن يستطيع أن يفعل الخير ويقيم العدل فيما تحت يده من سلطة، ويقلم أظافر الشر، ويقلل من الظلم ما استطاع.