أنا والشعر:

لقد بيّنت موقفي من الشعر في قصيدتي بعنوان: «أنا والشعر»، وهي قصيدة بائية من بحر الطويل، وفيها قلت:

أُريد له هجرًا، فيغلبني حُبّي       وأنوي، ولكن لا يطاوعني قلبي

وكيف أطيق الصبر عنه، وإنما       أرى الشعر للوجدان كالماء للعشب؟

فكم شدَّ من عزم، وبصَّر من عَمَى      وأيقظ من نوم، وذلَّل من صعب!

وفي هذه القصيدة أوضحتُ مواقف الشعراء وأصنافهم واتجاهاتهم، وفي نهايتها قلت:

وَقَفْتكَ يا شعري على الحقِّ وحده        فإن لم أنل إلَّاه، قلتُ لهم: حَسْبي

وإن قال غرٌّ: ثروتي، قلت: دعوتي      وإن قال لي: حزبي، أقول له: ربي

فعش كوكبًا يا شعر يهدي إلى العُلا       وينقض رجمًا للشياطين كالشهب

وكم تمر عليَّ فترات أنسى فيها الشعر، حين أغرق في بحار العلم والفكر، وأنسى بحور الشعر، وتأتي عليَّ أحيان تستيقظ فيها القريحة، ويتدفق فيها الشعر، وأكثر ما يكون ذلك أيام المحن والمعتقلات.

قصيدة «يا نفس»:

ومما أذكره في الفترة التي أتحدث عنها: جملة قصائد أنشأتها في مناسبات مختلفة، مثل: قصيدة «يا نفس» بمناسبة بلوغي الستين، وفيها:

حتامَ أنت لعوب      وقد تدانى الغروبُ؟!

يا نفس ما لك ظمأى      والورد منك قريبُ؟!

يا نفس ما لك غَرْثى      والكون مرعى خصيبُ؟!

كفاك ما ضاع قبلًا      والغصن منك رطيب

كفاك غفلة دهرٍ       والعمر ثوبٌ قشيبُ

أتاك منك نذير        نعمَ النذير المشيبُ

ومنها «أنا بالله عزيز»:

هات ما عندك هات      يا زمانَ الأزماتِ!

أنا لا أخشاكَ، فانثرْ      كل ما في الْجَعْبات!

وارم من نَبْلِك ما شئـ    ـتَ، فلن تثني قناتي

القصيدة الضادية:

ومنها بعض القصائد التي أناجي فيها ربي، وخصوصًا في فترة مرضي، حين أصبت بأوجاع الظهر، والعمود الفقري. مثل قصيدتي الضادية، التي قلت فيها:

يا جابر العثراتِ، كن لي جابرًا     كم عاثرٍ إن ترضَ عنه سينهضُ!

وارفع مكاني - رب - عندك بالتقى    من ترفع اللهم من ذا يخفض؟!

وابسط على عطاء رب باسط بَرِّ،     فإن تبسيط فمن ذا يقبض؟!

أنا عائد لحماك فاقبلني على ما بي     وأنت تقبل من ذا يرفض؟!

آتيتني القرآن فانفعني به          وأقم به لي حجة لا تدحض

بيض به وجهي بيوم قادم        فيه الوجوه مسوَّد ومبيَّض

قصيدة ابتهال:

وهناك قصيدة «ابتهال»، وفيها: 

يا من له تَعْنو الوجوه وتخشع      ولأمره كل الخلائق تخضع

أعنُو إليك بجبهة لم أَحْنِها       إلا لوجهك؛ ساجدًا أتضرع

وإليك أبسطُ كفَّ ذلٍّ لم تكن      يومًا لغير سؤالِ فضلكَ تُرفع

وفيها:

يا رب عبدك عند بابك واقف          يدعوك دعوة من يخاف ويطمع

فإذا خشيتُ فقد عصيتك جاهلًا        وإذا رجوتُ فإن عفوك أوسع

يا رب إنْ أكُ في الحقوق مفرِّطًا      فلأنت أبصرُ بالقلوب وأسمع

بين الجوانح خافق يهوى التقى      ويضيق كرهًا بالذنوب ويجزع

ويحب ذكرك والقلوب إذا خلت        من ذكر ربي فهي بُورٌ بَلْقع

ولكم ذكرتك خاليًا فوجدتُني          والقلب في وجل، وعيني تدمع

هل لي رجاء: إنني ممن دعَوا    يومًا إليك وقال: توبوا وارجعوا؟!

وحملت مصباح الهداية مرشدًا          أهناك كالقرآن نور يسطع؟

ومشيت في ركب الهُداة، وإن أكن     أبطأت في طلب الكمال يشفع

حسبي أحِبُّهُمُ وأقفو خطوهم            ولكم أرى حب الأكابر يشفع

يا ربِّ ما لي غير بابك مَفْزَعٌ            آوي إليه إذا يعزُّ المفزع

ما لي سوى دمعي إليك وسيلة      وضراعتي ولمن سواك سأضرع؟

إن لم أقف بالباب راجي رحمة            فلأيِّ باب غير بابك أقرع؟!

أناشيد إسلامية:

ومنها مجموعة من الأناشيد الإسلامية الثورية، التي تحرض الشباب على الاستمساك بالعروة الوثقى، وعلى معاني الإيمان والربانية، وعلى روح القوة والجهاد. وخصوصًا إذا أنشدها الشباب بصورة جماعية، وبألحان مؤثرة قوية. وقد أنشأت من قبل: نشيد «مسلمون» الذي تغنى به الشباب المسلم في أنحاء العالم.

من هذه الأناشيد: نشيد «فتى القرآن» أو «أنا مسلم»:

أنا إن سألتَ القوم عني من أنا؟       أنا مؤمن سأعيش دومًا مؤمنا

فليعلم الفجار أني ههنا             لن أنحني، لن أنثني، لن أركنا

أنا مسلم هل تعرفون المسلما؟         أنا نور هذا الكون إن هو أظلما

أنا في الخليقة رِيُّ من يشكو الظما     وإذا دعا الداعي، أنا حامي الحمى

أنا من جنود الله حزب محمد          وبغير هدي محمد لا أهتدي!

حاشاي أن أصغي لدعوة ملحد       وأنا فتى القرآن وابن المسجد؟!

ومنها: نشيد «الله أكبر»:

الله أكبر، الله أكبر     تسبيحة العابد المطهَّر

الله أكبر، الله أكبر     أنشودة الفاتح المظفر

الله أكـــــــــبر ... الله أكـــــــــبر

      في مطلع الفجر، في المساء      في الظهر، في العصر، في العشاء

نقرب الأرض للسماء    مرددين أقوى نداء

الله أكـــــــــبر ... الله أكـــــــــبر

عند التنادي إلى الجهاد    يوم التلاقي مع الأعادي

فوق الروابي، وفي الوهاد    نزلزل الأرض إذ ننادي

الله أكـــــــــبر ... الله أكـــــــــبر

أرجوزة «الأصوليون»:

ومن أهم ما أنشأت من الشعر في هذه المرحلة: أرجوزة «الأصوليون»، وهي قصيدة من بحر «الرجز» المعروف بسهولته واستجابته لكل الأغراض، ومن أجل ذلك كان هو معتمد الناظمين في العلوم المختلفة: في النحو، والصرف، والحديث، والفقه، والأصول، والتوحيد، والمنطق، وغيرها.

وقد كنا نحفظ ألفية ابن مالك في النحو والصرف، وألفية العراقي والسيوطي في الحديث، ومراقي السعود في الأصول، والجوهرة في التوحيد، والسلم في المنطق ... إلخ. وأعرف أن إخواننا من علماء موريتانيا يحفظون ألوف الأبيات في العلوم الشرعية والعربية.

المهم أني أنشأت هذه الأرجوزة عن «الأصوليين» على لسان أهل الاستخبارات وأمثالهم ومن يناصرهم من العِلمانيين؛ ولذا اعتمدت فيها أسلوب السخرية، كما اعتمدت السلاسة والسهولة في التعبير والتصوير؛ ولذا راجت هذه الأرجوزة بين الشباب في البلدان العربية كافة، وحفظها الألوف المؤلفة، وبعضهم أدخل فيها، وأضاف إليها من عنده!

مطلع الأرجوزة:

أبلغْ رجالَ الأمن حتى يزحفوا       فههنا جماعة تطرفوا

من الأصوليين أعداءِ الوطن     أخطر من جميع عباد الوثن

قد نأمن الهندوس واليهودا        وقد نقيم معهم العهودا

إلا أولاء، فأذاهم يُحْذرُ            فهم علينا من يهودَ أخطرُ!

وقد طوفت الأرجوزة في جوانب الحياة المختلفة، وموقف الأصوليين منها، إلى أن قالت:

أولئكم هم الأصوليون         قد خرَّبوا الدنيا وشانوا الدينا

فاستنفِروا لحربهم كل القوى     فما لهم غير الفناء من دوا

فكلَّ يوم يكسبون أرضًا        تمتد طولًا بيننا وعرضا

حتى غزَوْا ساحة أهل الفنِّ    وأفسدوا المخرج والمغنِّي

ومن غريب ما نرى ونسمعُ     توبة أهل الفن، ذاك المفجعُ

ممثلاتٌ ترتدي الحجابا        أليس ذلك العجبَ العجابا؟!

وراقصاتٌ يعتزلن الرقص    كأن هذا الرقص كان نقصا!

من ذا يعيب الهز للبطون       وذاك من روائع الفنون؟

أليس من ميراثنا الثقافي      رياضة الخصور والأردافِ؟

وانتهت القصيدة إلى هذا المقطع المهم:

لا بد من حل ومن علاج      من غير تطويل ولا لجاج

والحل أن يُحاربوا مثل الجربْ     إن شئت سل بدرًا وسل شيخ العرب

كلاهما أعلن في صراحة     وفي صراحة الوزير راحة

ليس لهم عندي من خلاص     إلا الكلامُ من فم الرصاص

لا رفْقَ لا سماحَ لا هوادةْ          فحقهم منا هو الإبادهْ

أما انتظار موقف القضاء      فشأن أهل العجز لا المضاء

نحن هنا القانونُ في القانون      فتوى الإمام حمزة البسيوني

وليقل القضاء ما يشاء           فما قضيناه هو القضاء

واحذر من التمييز والتصنيف    ما بين داعي الرفق والعنيف

فكل هؤلاء في الهوى سوا      من لم يمارس عنفه فقد نوى

لكن أهل الاعتدال علينا أخطر     لأنهم على الطريق أصبر

هم يربحون جولة             وبعد ذاك يبلعون الدولة!!

قصيدة «أصولي أصولي»:

وبعد أرجوزة «الأصوليون» الساخرة، أنشأت قصيدة أخرى جادة، تتحدث عن الأصولية بلسان الأصوليين، بعنوان: «أصوليّ أصوليّ»، ومطلعها:

أصوليّ ... أصوليّ     أجل أنا لا وصوليّ

أصوليٌّ، ولي أصلي     ولي نسبي الحنيفيّ

وأصل أصولي القرآ     ن، دستوري الإلهيّ

وسنة أحمد المختار       لي زاد ولـــي ريّ

وقانوني شرعُ الله        لا الشرع الفرنسيّ

فما يقضيه مَقضيّ        وما ينفيه مَنفيّ

إلى آخر القصيدة، وهي أكثر من أربعين بيتًا.

..................

(1) المراد هنا: زكي بدر، وعبد الحليم موسى الذي كانوا يلقبونه: شيخ العرب، وكلاهما كان وزيرًا للداخلية في مصر.. ومن ألد أعداء الأصوليين.