برنامج «التواصل مع أحفاد الإمام البخاري»:

في شهر مايو - على ما أذكر - سنة 1995م زرت مدينة موسكو عاصمة روسيا لأول مرة؛ لأحضر مؤتمرًا للأديان يعقد فيها، ويقام في إحدى جامعاتها.

وكان الذي دعاني للمشاركة في هذا المؤتمر، وألحّ عليَّ هو لجنة مسلمي آسيا في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، والتي يشرف عليها الأخ الإعلامي الحركي النشيط د. عادل الفلاح، الذي تبنَّى برنامجًا له إيحاؤه وإغراؤه تحت عنوان: «التواصل مع أحفاد الإمام البخاري».

ويقصد بأحفاد الإمام البخاري: مسلمي الجمهوريات الآسيوية التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي، وكانت ترزح وراء الستار الحديدي، وقد تنفست الصعداء أخيرًا حين تفكّك الاتحاد السوفيتي، وانتفضت بعض دول الاتحاد على حكامها الشيوعيين، مثل: رومانيا، وبولندا، من دول أوروبا الشرقية، وغيرت أنظمتها الدكتاتورية المتسلطة إلى أنظمة ديمقراطية، تخضع للانتخابات، وما تقوله صناديق الانتخابات.

وفي هذا الإطار استجبت لدعوة الأخ عادل الفلاح لحضور هذا المؤتمر الذي يتخذ صبغة عالمية، وقد وجدتها فرصة للتعرف على هذه البلاد التي كانت تنازع أمريكا السيادة على العالم، والتي كان اتحادها يضمُّ عددًا من الأقطار الإسلامية العريقة في الإسلام، والتي ساهمت في بناء الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية. وحتى روسيا الاتحادية نفسها، فيها أكثر من عشرين مليونًا من المسلمين، «الآن 26 مليونًا».

بعض العلماء المشاركين في المؤتمر:

وقد سافرت إلى روسيا، ووصلت إلى موسكو، ووجدت عددًا من علماء المسلمين المشاركين في هذا المؤتمر، منهم د. عليّ جمعة، الذي كان أستاذًا في جامعة الأزهر، وجاء ممثلًا لشيخ الأزهر الشيخ جاد الحق عليّ جاد الحق رحمه الله . ومنهم: أخي وصديقي القديم، ورفيقي في السكن وفي معتقل سنة 1949م د. عبد الودود شلبي، ومنهم: د. محمد أركون الذي التقيته من قبل في الجزائر، وغيرهم ممن لم أعد أذكر أسماءهم.

كنا في أوائل الصيف، وكنت أخشى أن نجد بعض البرد في موسكو التي كثيرًا ما تكون عشرين درجة تحت الصفر، ولكن وجدت الجو حارًّا، وقد أنزلونا فندقًا لا أذكر اسمه، يعدّ من أحسن الفنادق عندهم، ولكن للأسف وجدته دون المستوى في كل شيء، في تكييفه وأثاثه وطعامه وشرابه وإضاءاته وتجهيزاته! وهذا ما لمسته من قبل عندما زرت طشقند من بلاد الاتحاد السوفيتي، قبل ذلك، في مؤتمر البخاري الذي تحدثت عنه من قبل. وكنت أحسب أن روسيا بوصفها العاصمة الكبرى للاتحاد السوفيتي، ستكون شيئًا آخر، ولكني لم أجد ما توقعته.

مفاجأة لم تكن بالحسبان:

ومما أذكره ولا أنساه أبدًا: ما رأيته ولمسته في دورات مياه الجامعة التي أقيم بها المؤتمر، فقد فوجئت بما لم يكن في حسباني حين دخلت مرحاض الجامعة لأقضي حاجتي، وبعد أن انتهيت تلفت حولي لأبحث عن صنبور «حنفية» للمياه أو خرطوم، أو وسيلة مائية للاستنجاء، فلم أجد، فبحثت عن مكان للورق يمكن أن يُستخدم، فلم أجد ورقًا ولا مكانًا للورق! ولولا أني أحمل الأوراق التي يسمونها: «الكلينيكس» في جيبي عادة، لحرت في أمري! ماذا أفعل لتنظيف نفسي، وتساءلت: ماذا يصنع هؤلاء الناس حين يقضون حاجاتهم كسائر البشر؟ ولا ماء عندهم ولا ورق لديهم؟!! هل يقومون ويخرجون على الناس حاملين أقذارهم ونجاساتهم كما نسميها نحن المسلمين؟

لو كان هناك «علّاقة» للأوراق، لقلت: إن الورق نفد، ولكن لا توجد علاقة، وقلت: لعل المرحاض الذي دخلت فيه غير المراحيض الأخرى، فسألت الإخوة معي، فكلهم شكوا مما شكوت.

وسألت بعض الطلاب الذين يدرسون في موسكو من العرب المسلمين، فأكدوا هذه الظاهرة، وقالوا: إننا نحتاط دائمًا بحمل قوارير «زجاجات» نملؤها بالماء حين نريد دخول هذه الحمامات.

وكان الطلبة الروس يعجبون منا، ويقولون: عجبًا لهؤلاء الطلبة العرب! لا يحلو لهم الشرب إلا عند دخول الحمامات!! يحسبون أننا نحمل هذه الزجاجات والأوعية للشرب وليس للغسل والتطهير.

زيارات ولقاءات مع كبار المسئولين:

وقد رتّب لنا لقاء نلتقي فيه كبار المسئولين في الحكومة وفي البرلمان، وتحدثنا فيه بصراحة عن الإسلام والعلاقات الروسية، وحقوق المسلمين داخل روسيا، وقضية فلسطين، وعدد من القضايا لم أعد أذكرها، وكان لي كلمات قوية قلتها في هذا اللقاء نسيتها.

وقد زرنا بعض المناطق هناك، ومررنا بقصر الكرملين أكثر من مرة، وشاهدنا بعض الساحات التي كان يتجمّع فيها الجماهير، وشاهدنا برج موسكو وقيل إن طوله كذا وكذا، ولم يسعفنا الوقت لنقوم بصعوده ورؤية موسكو من فوقه.

خطبة الجمعة في موسكو:

وزرنا مسجد المسلمين الذي يصلي فيه المسلمون الجمعة، وتعرفنا على الشيخ «زين الدين» مفتي المسلمين في روسيا الاتحادية. وقد كنا تعرفنا عليه في المؤتمر. وقد خطبت الجمعة في مسجدها العريق، والتقيتُ جمهور المسلمين بعد الصلاة.

وقد وجدتُ بعض الإخوة من شباب الصحوة يعملون هناك في نشر الدعوة والثقافة الإسلامية، بعد أن تنفس الناس أجواء الحرية، وقد ركزوا على نشر عدد من كتبي، ومنهم: الأخ الطبيب عبد الله سَعْد، خريج جامعة الأزهر، الذي عرَّفني أنهم ترجموا كتابي: «الحلال والحرام في الإسلام» وبعض الكتب الأخرى، وقد أوصيته وإخوانه أن يتعاونوا في عملهم مع د. عادل الفلاح ولجنة مسلمي آسيا في الكويت، حتى لا يتكرر العمل الواحد من أكثر من جهة، وقد وجدت فعلًا كتابي: «الحلال والحرام» ترجمته أكثر من جهة، ولا أدري أي الجهات أقوم قيلًا وأهدى سبيلًا. وفي التعاون بركة، واختصار للوقت، وتعميم للنفع، ويد الله مع الجماعة.