الدوحة- أجاز مجلس الشورى القطري بالأغلبية مشروع قانون يساوي بين دية المرأة والرجل لأول مرة، مستندا إلى آراء عدد من العلماء على رأسهم العلامة د. يوسف القرضاوي الذي أكد أنه لا توجد أدلة يقينية في القرآن والسنة، ولم يثبت إجماع الصحابة على التمييز في الدية بين الذكر والأنثى.

وبحسب الصحف القطرية الصادرة اليوم الثلاثاء، اتخذ المجلس البالغ عدد أعضائه 45 عضوا القرار أمس بالأغلبية، وتحفظ علية تسعة نواب بعد خلافات حادة شابت مناقشة المشروع.

واستند مشروع القانون إلى أن الإسلام يستوجب المساواة بين الرجل والمرأة في القتل الخطأ؛ إعمالا لقاعدة "النفس بالنفس" دون النظر إلى الوضع الاجتماعي، سواء كان عاجزًا أو مثقفًا أو فقيرا أو غنيا أو غيره.

وحدد المشروع قيمة دية المتوفى في القتل الخطأ بـ 55 ألف دولار (تعادل 200 ألف ريال قطري).

ولكي يصبح مشروع القانون نافذا فإنه يحتاج لموافقة تالية من مجلس الوزراء القطري، وموافقة نهائية من أمير قطر.

وينص القانون القطري المطبق حاليا على أن دية المرأة تعادل نصف دية الرجل، وتقدر دية الرجل بـ"41ألف دولار" بما يعادل (150) ألف ريال قطري.

"يخالف الإجماع"

وعلق النائب يوسف الخاطر الذي تحفظ على القرار قائلا: "إن المساواة بين الرجل والمرأة تخالف إجماع العلماء ومذهب الإمام أحمد بن حنبل المعمول به في قطر"، مؤكدا "إجماع العلماء على أن دية المرأة تعادل نصف دية الرجل".

وأشار إلى أن مندوب وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية اعترض في اجتماع اللجنة القانونية والتشريعية على مساواة قيمة الدية بين الرجل والمرأة.

ودعا الخاطر إلى الرجوع إلى جهات إسلامية مثل مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي لمناقشة الأمر.

فيما رأى العضو محمد بن علي السليطي أن مشروع القانون "يخالف إجماع الأمة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الآن".

وأشار أحد أعضاء الشورى القطري إلى أن إجازة مشروع القانون قد تقود إلى تعديل قوانين الميراث فتساوي بين ميراث الرجل والمرأة، وقال: "إن عقيدتنا لا نجامل فيها، ونبه إلى وجود علامات استفهام كبيرة حول مشروع القانون تقلل من مصداقيته".

"لا إجماع على التنصيف"

في المقابل، رد رئيس مجلس الشورى القطري محمد بن مبارك الخليفي على المعارضين، مؤكدا أن الدستور القطري يشير إلى أن قطر دولة إسلامية ولا ينحاز لأي مذهب.

من جانبه، قال النائب ناصر راشد الكعبي: إنه "لا يوجد فرق في الدية بين الصغير والكبير، والعائل وغير العائل، والذكر والأنثى في قيمة دية القتل الخطأ، وشدد على أن الروح واحدة ولا فرق بين روح الرجل وروح المرأة".

وبدوره، علق العضو د. يوسف عبيدان على المشروع موضحا أنه لا يوجد إجماع على أن دية المرأة تساوي نصف دية الرجل، ولفت إلى أن مشروع القانون يتناغم مع الدستور القطري الذي أعلن مبدأ المساواة وأن الناس متساوون أمام القانون، دون تمييز على أساس الجنس أو الدين، مما يتوافق مع المواثيق الدولية.

ودافع العضو راشد المعضادي عن مشروع القانون، وقال إنه لا يتعارض مع القواعد الشرعية، مشيرا إلى أن الأشخاص الذين وضعوا مشروع القانون لهم باع طويل في الإفتاء الشرعي، والقياس والإجماع، مثل فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي.

وتابع المعضادي قائلا: "لا يمكن أن يغيب أمر مثل هذا عن العلماء، ولا يمكن أن يخالفوا الإجماع"، وأكد أنه يضع ثقته في العلماء المتخصصين في الإفتاء، وحملهم المسئولية في مساواة قيمة الدية بين الرجل والمرأة.

وكان المجلس الأعلى لشئون الأسرة في قطر قد عقد مائدة مستديرة في أواخر ديسمبر عام 2004م لمناقشة موضوع "دية المرأة في الشريعة الإسلامية، وحقيقة تنصيف ديتها بالنسبة إلى دية الرجل، وإذا كان أمرا لا يقبل الاجتهاد، أم يمكن الاجتهاد فيه نتيجة تغير الزمان والمكان والإنسان.

وشارك علماء وقضاة وقانونيون وأكاديميون في المائدة المستديرة وأدلوا بآرائهم في القضية. وكان العلامة الشيخ القرضاوي ممن أدلوا برأيهم في القضية، وأعلن أنه لا يوجد دليل معتبر على أن دية المرأة تعادل نصف دية الرجل.

وذكر أنه غاص في كتب التفسير والحديث، وفي كتب السنن والآثار، وفي كتب الفقه والأصول، مناقشا الموضوع من جذوره، وراجعا إلى الأدلة التي تُستنبط منها الأحكام، والتي يعتمد عليها أهل الفقه والاجتهاد والفتوى، وهي: القرآن والسنة والإجماع والقياس والمصلحة وأقوال الصحابة.

وانتهى الشيخ القرضاوي إلى أنه بعد مناقشة الأمر بحياد وموضوعية، تبين له أن الحكم الذي اشتهر لدى المذاهب المتبوعة أن دية المرأة على النصف من دية الرجل لا يسنده نص صحيح الثبوت صريح الدلالة من كتاب ولا سنة، كما لا يسنده إجماع ولا قياس، ولا مصلحة معتبرة، ولا قول صحابي ثابت، وإنْ كان الراجح أن قول الصحابي ليس بحجة في دين الله؛ لأنه يتوارد عليه الخطأ والصواب، ولا معصوم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لم يجمع الصحابة على شيء، فيكون إجماعهم هو الحجة الملزمة.