الناس والحق
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. لقد جاءت رسل ربنا بالحق.
والصلاة والسلام على رسوله الذي بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وعلى آله وصحبه أهل الحق وحزبه، وعلى كل مَن اتبع ودعا إليه إلى يوم الدين ...
وبعد ...
فهذه رسالة موضوعها «الحق» ومرجعها الأول هو القرآن الكريم، وأسلوبها هو الحوار، فهي دراسة قرآنية عن مفهوم «الحق» وما تدل عليه هذه الكلمة في الكتاب العزيز، وكيف أودع الله الفطرة البشرية حب الحق وطلبه، والتوجه إليه، وبيان الوسيلة الفذة المضمونة لمعرفة الحق والاهتداء إليه؛ وهي: الوحي الإلَهي، وبيان الصلة بين الوحي الإلَهي والعقل الإنساني، وماذا ترك الوحي للعقل من مجالات يعمل بها ويصول؟ وبيان المرجع السماوي الوحيد الباقي للبَشر في الأرض ليعرفوا به الحق وينصروه؛ وهو القرآن، الذي ميّزه الله بالوضوح، والتأثير والشمول، والخلود، وجعله تبيانًا لكل شيء، وكيف ضلّ المسلمون وذلوا حينما غفلوا عنه؟
ثم بيان موقف الناس من الحق، وأسباب إعراضهم عنه، وكراهيتهم له، وعداوتهم لأهله، عن جهل وغفلة أو عن عناد وهوى، ولماذا يطلب بعض الناس الحق ولا يهتدون إليه؟
ثم ماذا على الإنسان من أعباء وواجبات نحو «الحق» إذا عرفه واهتدى إليه، وماذا ينتظره من جزاء في الدنيا والآخرة، إذا ثبت في معركة الصراع بين الحق والباطل؟ وأخيرًا قيمة الحضارة السائدة اليوم وكم فيها من حق وباطل.
كل هذه القضايا الهامة تناولتها هذه الرسالة الصغيرة بأسلوب قريب كل القرب، بسيط غاية البساطة، بعيد عن التعقيد والتفلسف والتكلف. هو أسلوب الحوار بين شيخ مرب وتلميذ متعلم، وهو أسلوب استعمله علماؤنا من قديم كما نجد ذلك عند ابن القيم رحمه الله في محاورة بين سُنِّي وقدري، وبين قدري وجبري.
وكما رأينا ذلك حديثًا في محاورات المصلح والمقلد، للسيد رشيد رضا، ومحاورات الشيخ المرزوق وحيران بين الأضعف في «الجواب الإلَهي عن العلم والفلسفة» للشيخ حسين الجسر، كما استعمله ولده الشيخ نديم الجسر في كتابه القيم «قصة الإيمان بين الدين والعلم والفلسفة»، بل إن القرآن الكريم نفسه استخدم أسلوب الحوار ليبرز به قضايا الوجود الكبرى: قضايا الألوهية والرسالة والبعث والجزاء كما نشاهد ذلك واضحًا في عرضه لقصص الرسل مع أقوامهم.
وقد أردت بهذه الرسالة القرآنية الموجزة أن أعرِّف الشباب المثقف بالحق، كما يهدي إليه كتابهم، وأن أحببه إليهم، حتى يؤمنوا به وينصروه ويكونوا من جنده وحزبه. وإني لأحمد الله عز وجل أن كُتب لهذه الرسالة القبول في قلوب المسلمين، فكتب إليّ مسلمون في إفريقيا يطلبونها، وقام إخواننا الأتراك بترجمتها إلى اللغة التركية، والله تعالى أسأل أن يجعلها خالصة لوجهه وأن ينفع بها كاتبها وقارئها وناشرها.
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، آمين.
د. يوسف القرضاوي