الشيخ أبو الحسن الندوي كما عرفته
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على إمام الدعاة، والرحمة المهداة، والنعمة المسداة، سيّدنا وحبيبنا وأُسوتنا ومعلّمنا رسولِ الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه.
وبعد: فلم أكن أنوي في هذه الآونة خاصة أن أُخرجَ كتابًا عن الشيخ الإمام «أبي الحسن علي الحسني الندوي» حححع. مكتفيًا بما كتبته عنه في مناسبات مختلفة...
ذلك لأني في شغل شاغل، ووقتٍ مزدحم بكثرة الأعمال والواجبات التي ضاقت بها الأوقات، وما كنت أحب أن أكتبَ عن شيخنا الحبيب، وأنا في هذه الزحمة، حتى أفرغ له، وأعطيه حقَّه، كما ينبغي له من مثلي.
ولكنَّ أقدارًا دفعتني، لأصدر هذه الدراسة عن شيخنا الكبير رحمة الله عليه، وأن أعجِّلَ بها، لتسدَّ ثغرةً في هذا الجانب، وتفتحَ الباب لمن يزيد، فمجال القوة ذو سَعةٍ، ولا سيما أنّي قد كتبت عن ركائز فقه الدعوة عند الشيخ، وحصرتُها في عشرين ركيزة، ولم أتحدث بالتفصيل إلا عن واحدة منها فقط، وتركت لمن بعدي من تلاميذ الشيخ وتلاميذي أن يكملوا ما بدأتُه.
إن مهمة العلماء في الأرض كمهمة النجوم في السماء، هي هداية للسائرين، وهي شهب تنقضُّ على الشياطين، وخصوصًا العلماء الربانيين المتميزين منهم، الذين يعلمون ويُعلِّمُون، فهم ورثة الأنبياء حقًّا، يدعون إلى الله على بصيرة، ويقودون الناس إلى الحق عن بيّنة، {وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} [فصلت: 33].
ولقد كان الشيخ الندوي واحدًا من هؤلاء الأفذاذ، الذين بعثهم الله لهذه الأمة ليجددوا لها دينها، ويعيدوا إليها يقينها، وينهضوا بها لتؤدي رسالتها، ومن حق الشيخ أبي الحسن على مَنْ يعرفه من علماء الأمة ودعاتها وأدبائها، أن يكتبوا عن الشيخ، ويجلّوا مآثره وفضائله، لتعرفه أجيال الأمة الصاعدة، وتتخذ منه أسوة وإمامًا. وبهذا يتواصل الأبناء والآباء، والأحفاد والأجداد، والخلف والسلف.
في هذه الدراسة قدّمت بتمهيد تضمن كلمة الرثاء التي ودعتُ بها الشيخ، ونُشرت في عدد من الصحف.
ثم تحدثتُ عن الشيخ في أربعة أبواب:
الباب الأول: عن معالم وأضواء على سيرة الشيح.
الباب الثاني: عن الشيخ داعية وموجهًا.
الباب الثالث: عن الشيخ مصلحًا ومجددًا.
الباب الرابع: عن الشيخ سفيرًا للعجم لدى العرب.
الباب الخامس: عن الشيخ الندوي كاتبًا ومؤلفًا.
والخاتمة: تضمنت أقوالًا وشهادات للشيخ من عدد من كبار علماء الأمة ومفكريها ودعاتها وأدبائها.
وأرجو أن أكون بهذه الصحائف المحدودة قد أديتُ بعض حق شيخنا الجليل عليَّ، وأن يكون هذا مما يشفعُ لي عند الله يوم القيامة {رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10].
الدوحة: 24/10/1421هـ
19/1/2001م
الفقير إلى عفو ربه
يوسف القرضاوي