يشارك فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي-رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- اليوم الإثنين 5-5- 2008 في تمام الساعة 7.40 بتوقيت مكة في ندون بعنوان "نهاية المطلب" الحلم والحقيقة، تقيمها إدارة الشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف القطرية؛ احتفالا بطباعة وبدء توزيع أكبر وأهم كتب فقه المذهب الشافعي «نهاية المطلب في دراية المذهب» تأليف إمام الحرمين الجويني ويقع في (21) مجلدا.

وقد أنجز تحقيقه ووضع فهارسه فضيلة د.عبد العظيم الديب بعد جهد مضن وعمل شاق استمر «30»عاما. وتمت طباعة ثلاثة آلاف نسخة من الكتاب طباعة أنيقة سيتم توزيعها مجانا على المكتبات الإسلامية ومراكز البحوث وطلاب العلم.

شهادة من القرضاوي

وكتب فضيلة العلامة د. يوسف القرضاوي مقدمة مطولة للكتاب في 32 صفحة أثنى فيها على المؤلف والمحقق والكتاب، وقال: أما الكتاب فهو ذخيرة ثمينة من ذخائر تراثنا الفقهي الزاخر يعرفه المشتغلون بفقه المذهب الشافعي ويدركون قيمته فهو احد الاعمدة التي يستند اليها ويعول عليها وهو ينشر لأول مرة فقد كان كنزا مطمورا برغم شهرته ولكنه لم تكن منه نسخة كاملة مجموعة في مكتبة واحدة يسهل تناولها والعكوف عليها. ومن المعروف ان في كل مذهب من المذاهب المتبوعة كتبا متميزة تعد امهات فيه، وليس السبب في ذلك هو كمها او سعتها وكثرة اوراقها فحسب بل العمدة فيها هو الكيف قبل الكم لما تعتمده من تأصيل وما تحويه من تدليل وما تتخذه من نهج علمي يميزها عن غيرها. ألّف امام الحرمين كتاب النهاية في سنواته الاخيرة اي بعد ان اكتمل نضجه واخرج زرعه شطأه واستغلظ واستوى على سوقه اراد ان ينهض بمهمة في المذهب لا يقوم بها غيره من تهذيب المذهب بكتاب يحوي تقرير القواعد وتحرير ا لضوابط والمعاقد في تعليل الاصول وتبيين مآخذ الفروع وترتيب المفصل منها والمجموع ويشتمل على حل المشكلات وابانة المعضلات والتنبيه على المعاصات، كما قال رحمه الله في مقدمة الكتاب، بل قال في مقدمته هذه الكلمة المعبرة عن نظرته إلى الكتاب وقيمته عنده: وهو على التحقيق نتيجة عمري، وثمرة فكري في دهري. ومن قرأ لفقهاء الشافعية بعد إمام الحرمين وجدهم مزهوين كل الزهو فخورين كل الفخر بكتاب إمامهم هذا فطالما نوهوا به وعظموا قدره واشاروا إلى تفرده وتميزه، انظر إلى ما قاله ابن عساكر عنه في كتاب «تبيين كذب المفتري» انه ما صنف في الاسلام مثله!

الإمام الجويني

وتحدث د. القرضاوي عن الإمام الجويني فقال: أما مصنف الكتاب فهو امام الحرمين عبدالملك بن عبدالله الجويني (ت478هـ) احد عمالقة الفكر الاسلامي والعلم الاسلامي الذي شرّق صيته وغرّب واعترف بفضله القاصي والداني واثنى عليه السابقون واللاحقون والمحدثون الى يومنا هذا إمام وابن إمام وفقيه وابن فقيه اخذ العلم كابرا عن كابر.

قال معاصره الإمام ابواسحاق الشيرازي: تمتعوا بهذا الإمام فإنه نزهة هذا الزمان! وقال له مرة: يا مفيد أهل المشرق والمغرب، لقد استفاد من علمك الأولون والآخرون.

وقال الحافظ ابومحمد الجرجاني: هو إمام عصره، ونسيج وحده ونادرة دهره.

وقال قاضي القضاة ابوسعيد الطبري وقد قيل له: إنه لقب إمام الحرمين: بل هو إمام خراسان والعراق، لفضله وتقدمه في أنواع العلوم.

عقل كبير وقلب كبير

وتابع د. القرضاوي معددا مناقب الجويني فقال: كما تميز الإمام بعقله الكبير تميز بقلبه الكبير، فقد اتفق مؤرخوه ان الرجل كان من «اصحاب القلوب» الذين لهم مع الله تعالى حال ومقام، وكان إذا ذكر الناس في مجلسه بكى وابكى الحاضرين.

وهذا مع ان الذين يشتغلون بالقضايا العقلية، والمجادلات الكلامية يصابون بجفاف الروح وقسوة القلوب الا من رحم ربك، من القلائل الذين احتفظوا بقلوبهم حية لم تمت، سليمة لم تسقم، صافية لم تشب، ومنهم إمام الحرمين. وقد قال هو رحمه الله بحق «من ضري بالكلام صدي جنانه!».

المحقق

وتحدث د. القرضاوي عن محقق الكتاب فقال هو الأخ الصديق الصدوق: الاستاذ الدكتور عبدالعظيم محمود الديب الذي اعرفه منذ كان طالبا في القسم الابتدائي بمعهد طنطا الديني وتربطني به منذ ذلك الزمن صلة وثيقة، لم تزدها الأيام إلا قوة، وان كان يصغرني ببضع سنوات.

ولا تمنعني اخوتي وصداقتي له ان اوفيه حقه من التقدير، فقد قال تعالى «وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى» (الأنعام: 152).

وكما ان العدل يوجب ان تقول فيمن تحب: ما هو عليه، فهو يوجب ان تقول فيه: ما هو له. «ولا تبخسوا الناس أشياءهم» (هود: 85).

وذكر د. القرضاوي ان د. عبدالعظيم قد عكف منذ دخل ميدان التحقيق على تراث امام الحرمين فهو مولع بالرجل منذ عرفه في دراسته عنه بالماجستير والدكتوراه بدار العلوم.

بل هو في الحقيقة (عاشق) لامام الحرمين، كما تحس بذلك اذا تحدث عنه او كتب عنه. والعاشق تهون عليه الصعاب، ويجد البعيد قريبا، والحزن سهلا، في سبيل معشوقه.

ولقد بلغ من اعجاب الدكتور الديب بشيخه ـ بل من عشقه له ـ انه لا يطيق احدا ينكر عليه بعض هفواته ولو كان من الشافعية انفسهم، مثل ابن الصلاح وابن حجر العسقلاني وامثالهما.

وأشار إلى أن تحقيق (النهاية) أو نهاية المطلب قد كان حلما وأمنية للدكتور الديب، منذ عرف إمام الحرمين، ثم غدا أملا ورجاء، ثم تحول إلى حقيقة منذ بدأ يبحث عن نسخة منذ سنة 1975م.

ومنذ أكثر من عشرين عاما، وهو عاكف على (النهاية) أو (نهاية المطلب) أعظم آثار الإمار الفقهية، وأبرز ما يعرف بقدره في الفقه، ومنزلته في التأصيل والاستنباط. عايشه هذه السنين ورافقه: يقرؤه على مهل، ويجتهد أن يفهمه على الصواب ما أمكن، وأن يفسر غامضه، ويفك طلاسمه.

وقال د. القرضاوي وأنا أدرى الناس بما عاناه الدكتور الديب في تحقيقه لهذا المخطوط، من حيث جمع أصوله المبعثرة في شتى مكتبات العالم، فقد ظل يقرأ فهارس المخطوطات، ويتتبعها، ويزور المكتبات هنا وهناك بنفسه، ويسأل العارفين.

وجهد د. الديب جهده، حتى جمع من الكتاب أكثر من عشرين نسخة صورها من مكتبات العالم.

وقدم الدكتور الديب من قبل دراسة عن إمام الحرمين، حياته وآثاره، حصل بها على درجة الماجستير من كلية دار العلوم، وأخرى عن (فقه إمام الحرمين) حصل بها على درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف، والتوصية بطباعة الرسالة وتبادلها مع الجامعات.

وهذا كله ساعده على فهم إمام الحرمين، وكتابه المتميز (نهاية المطلب).

كما قدم أكثر من دراسة، عن كل كتاب حققه من كتبه: من (البرهان) و(الغياثي) و(الدرة المضية) إذ كتب لها مقدمات علمية مستفيضة، تلقي أضواء كاشفة عليها لمن يقرؤها.

وبين الأخ الديب وإمام الحرمين نسب جامع، وصفات مشتركة، جعلته ينجذب إليه، كما قال الشاعر: شبيه الشيء منجذب إليه. وصح في الحديث «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف».