أجاز العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين توسعة المسعى بين الصفا والمروة بالمسجد الحرام تيسيرا على المعتمرين والحجاج.

وأيد الشيخ القرضاوي في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت" توجه السعودية للتوسعة. وقال: "نرحب بالتوسعة ونباركها ونؤيدها ونشد أزر القائمين بها".

وأكد أنه لا يوجد مانع شرعي في التوسعة بل يوجد ما يؤيدها، مشيرا إلى أن الشرع قام على التيسير لا التعسير، مستندا لقول الله عز وجل: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وبقوله سبحانه: "وما جعل عليكم في الدين من حرج". وقوله عز وجل: "يريد الله أن يخفف عنكم". وقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا".

وقال الشيخ القرضاوي: "أوامر الدين وتوجيهاته القرآنية والنبوية تتيح لنا الفرصة لنأخذ بالتوسعات لمواجهة ازدياد أعداد الحجاج والمعتمرين في كل عام".

وأوضح أن الشرع حدد بداية السعي من الصفا وحدد نهايته بالمروة ولم يأت بتحديد ولا تقييد لعرض المسعى مشيرا إلى قوله تعالى: "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوَّف بهما".

وأكد الدكتور القرضاوي أن عرض المسعى متروك لحاجة المسلمين حسب عدد المعتمرين والحجاج، مضيفا أن توسعة المسعى رأسيا تمت عدة مرات بزيادة طوابق علوية والآن لا مانع من توسعته عرضيا.

وردا على سؤال لـ"إسلام أون لاين.نت" حول أهمية أخذ رأي علماء المسلمين الأعضاء في مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن التوسعات التي تتم في الصفا والمروة والمسجد الحرام والمشاعر المقدسة، أجاب الشيخ القرضاوي بأن الأفضل أخذ رأي المجامع الفقهية حتى يكون الرأي جماعيا، مستدركا أنه لا يعلم ما إذا كان أمر التوسعة عرض على مجمع الفقه الإسلامي الدولي في الدورتين السابقتين له أم لا.

وعن رأيه في زحف الأبراج والفنادق حول المسجد الحرام وارتفاعها أعلى من مناراته قال الشيخ القرضاوي: "إنشاء الفنادق والأبراج حول الحرم أمر تم، ولا يمكن هدمها، وبعضها مبانٍ مخصصة لخدمة الحرم، وبعضها أوقاف مثل وقف الملك عبد العزيز لخدمة الحرمين الشريفين".

الطواف ومقام إبراهيم

وحول رؤيته لحل ما تبقى من مشاكل المعتمرين والحجاج، أشار الشيخ القرضاوي إلى أن ضيق المساحة المخصصة للطواف حول الكعبة لا تزال المشكلة الأكبر التي تواجه ضيوف الرحمن في ذروة أيام الحج وفي العشر الأواخر من رمضان.

واقترح فضيلته إيجاد حلول عملية تيسر للطائفين أداء مناسكهم، داعيا لنقل مقام إبراهيم من مكانه الحالي لمكان أبعد للتوسعة على الحجاج والمعتمرين في طوافهم.

وفي هذا الصدد لفت إلى أن العلماء في وقت من الأوقات كانوا متخوفين من نقل مقام إبراهيم من مكانه القديم ظنا منهم أن النقل إحداث في الدين يخالف سنة السلف رضوان الله عليهم. وقال معقبا: "هذا ليس من الإحداث في الدين وإنما هو ضرورة وحاجة اقتضاها التزايد في أعداد المعتمرين والحجاج".

وأضاف أن العلماء وعموم المسلمين رحبوا من قبل بالاجتهاد حول التوسعات في مرمى الجمرات في "منى" وبما تم إنشاؤه من الجسور التي ساهمت في تخفيف شدة الزحام ومنعت سقوط الحجاج الذين كانوا يموتون بالمئات تحت الأقدام ضحايا للتدافع أثناء الرمي، بحد قوله.

ونبه الشيخ القرضاوي إلى أن أعداد المعتمرين والحجاج التي تتزايد بالملايين كل عام تقتضي من أهل الفقه ومن أولي الأمر التيسير على الطائفين والعاكفين والركع السجود.

ودعا أهل العلم والفقه إلى أن يؤيدوا أولي الأمر في السعودية في كل خطوة تهدف إلى تيسير أداء المناسك على الحجاج والمعتمرين، مشيرا إلى أن كل ملوك المملكة بدءا بالملك عبد العزيز ومرورا بالملك فهد وانتهاء بالملك عبد الله مأجورون من الله ومشكورون من الناس على ما قاموا به من توسعات في الحرمين الشريفين.

200 عالم

وفي استطلاع أجرته مجلة "الدعوة" السعودية ينشر غدا الخميس 3-4-2008م، أيد نحو 200 من علماء المسلمين التوسعة الجديدة، وذلك وسط معارضة غالبية أعضاء هيئة كبار العلماء بالسعودية.

وكان الملك عبد الله بن عبد العزيز، قبل أن يأذن بتوسعة المسعى قبل نحو عام، طالب هيئة كبار العلماء بقول كلمتها في الأمر، إلا أن معظم أعضائها رفضوا التوسعة، لكن الملك أخذ برأي الأقلية وبدأت أعمال التوسعة.

وفي تعليقه على الأمر قال د.عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء لـ"إسلام أون لاين.نت": "المسعى الجديد هو جائز شرعا وجواز السعي فيه من قبل المعتمرين وحجاج بيت الله الحرام، وبين أن اختلاف العلماء يعود إلى الاجتهاد فيما بينهم".

وبين الشيخ المنيع: "أن لولي الأمر القول بجواز التوسعة، وقد أيد ذلك بعض أعضاء هيئة كبار العلماء، وهو الحاكم العام والقاعدة الفقهية تقول إن حكم الحاكم يرفع الخلاف في قضية من قضايا مسائل الخلاف إذا حكم فيها بأحد أقوال أهل العلم بما لا يخالف نصًا صريحًا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بما اجتمع عليه إجماع الأمة".

فيما أكد شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي أن "توسعة المسعى عين الحق والصواب، والأمة الإسلامية كلها تعضد ذلك". واعتبر مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة أن علماء الأمة كلهم مجمعون على تأييد توسعة المسعى، وتعجّب من رأي المخالفين، بحد قوله.

ومن بين العلماء المؤيدين لتوسعة الصفا والمروة الشيخ السعودي عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ومن خارج السعودية مفتي الديار الفلسطينية ومفتي القدس ومفتي البوسنة والهرسك ومفتي كوسوفا، ومفتي ألبانيا ومفتي عام لبنان ورئيس جامعة الأزهر، ومفتي أوغندا ومفتي بولندا ومفتي طرابلس.

الهيئة ترفض

ويبرر المعارضون رفضهم بأن التوسعة الجديدة للمسعى تتجاوز حدود جبلي الصفا والمروة، وفي بيان سابق أصدرته هيئة كبار العلماء بالمملكة قالت: "بعد عرض الموضوع على هيئة كبار العلماء قبل سنة وبعد دراسته وعرضه على الفتاوى السابقة وأقوال العلماء، تم رفض فكرة التوسعة".

ومن المعارضين للتوسعة الشيخ صالح الفوزان الذي قال عند سؤاله حول الحدود الشرعية لجبل الصفا ولجبل المروة: "الحدود الشرعية الموجود الآن (المسعى القديم)، الذي تعاقبت عليه أجيال وأجيال، هذا هو المسعى، فلا يزاد فيه، ولا ينقص، لأنه مشعر".

وكان زوار بيت الله الحرام قد تمكنوا خلال شهر رمضان الماضي من الاستفادة من المرحلة الأولى من مشروع توسعة المسعى في الحرم المكي من جهة الساحة الشرقية التي بلغ فيها عرض المسعى 40 مترا لكل من البدروم والدور الأرضي، بزيادة قدرها 20 مترا عن المسعى القديم.

ويتكون المشروع الذي ينجز على مرحلتين من 3 أدوار و4 مناسيب للسعي متصلة مباشرة بأدوار التوسعة السعودية الأولى للحرم (الطابق الأرضي والأول والسطح). ويرتفع دور سطح المسعى الجديد عن أدوار الحرم.

وستشهد المرحلة الثانية أيضا إعادة بناء منارة جديدة بارتفاع 95 مترا بديلة لتلك التي أزيلت لصالح المشروع، وسوف تتيح هذه التوسعة لنحو 3 ملايين و840 ألف معتمر وزائر لبيت الله الحرام فرصة السعي على مدار اليوم وذلك اعتبارا من غرة محرم بعد ثلاثة أعوام، مستفيدين من أعظم وأكبر توسعة يشهدها المسعى على مر العصور.