تظاهرة ضد الرسوم المسيئة (صورة أرشيفية) |
أكد فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي أن (شخصية الرسول) صلي الله عليه وسلم والقرآن الكريم يعتبران قدس الأقداس بالنسبة للمسلمين في مختلف أنحاء العالم... لا يسمحون ولا يتهاونون في أي تطاول عليهما.مهاجما محاولات بعض الشخصيات الغربية بالاجتراء علي هذين المقدسين. وشبه فيلم جيرت ويلدرز زعيم حزب الحرية اليميني الهولندي المتطرف الذي تطاول علي القرآن الكريم بكتاب (كفاحي) للزعيم النازي هتلر ودعوته لمقاطعته ومنعه من التداول في هولندا وأوروبا. مدينا إعداد الفيلم المتطاول علي القرآن بزعم أنه يحرض علي القتل والعنف والكراهية. ومعتبرا ما فعله السياسي الهولندي بمثابة فتح النار علي القرآن الكريم.
ووصف تلك المزاعم والدعوات بأنها كذب وافتراء وكلام مختلق لا يقوله إلا جاهل أو مكابر أو معاند. واعتبر القرضاوي موقف البرلماني الهولندي حلقة من حلقات مسلسل العداء الغربي للإسلام. مجددا الدعوة لموقف إسلامي جماعي من الذين يتطاولون علي مقدسات المسلمين.
جاء ذلك في تصريحات صحفية أدلي بها الشيخ أمس وخصص الجزء الأكبر منها لتفنيد افتراءات ومزاعم البرلماني الهولندي.وقال: نحن أمة مسالمة ولكن الغرب هو الذي يناوشنا باستمرار؛ لأنه في موقف القوة ونحن في موقف الضعف. وأشار فضيلته إلي أن مشكلتنا مع الغرب أنه هو الذي يبدأ بعداوتنا، فالغرب هو الذي بدأ بالإساءة إلينا بإعادة نشر الرسوم المسيئة إلي محمد صلي الله عليه وسلم، بعد أن نسينا هذا الأمر، وكنا نحاول أن نبدأ صفحة جديدة، فنحن مشغولون بإصلاح أنفسنا وبهداية العالم من حولنا، وما كنا نحب أن نشغل أنفسنا بهذا الأمر
وأضاف أن من سالمنا سالمناه، ومن مد يده إلينا ذراعا مددنا أيدينا إليه باعا؛ لأننا لسنا هواة صدام ولا صراع، فنحن أمة سلام، و(السلام) اسم من أسماء الله تبارك وتعالي. وذكر أن عندنا قوة روحية تتمثل في الرسالة العظيمة التي خصنا الله بها، وهي رسالة الاسلام، والدستور العظيم المتمثل في (القرآن) كتاب الخلود الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يوجد كتاب يحفظه مئات الألوف كما يحفظ المسلمون القرآن الكريم.
وطلب القرضاوي من النائب الهولندي المتعصب الذي لا يري الحقيقة أن يدلنا علي الآيات التي تحض علي الكراهية أو التي تحض علي العنف أو التي تحرض علي القتل. مؤكدا أن من يقرأ آيات القرآن الكريم بفهم وعقل وإنصاف لا يجد فيها ما يحرض علي العداوة والبغضاء.وعدد آيات القرآن التي تدعو للمحبة والعفو والصفح والتعايش بين الناس كإخوة مهما اختلفت أجناسهم ودياناتهم، ومنها قوله تعالي: يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم . وأفاض في بيان موقف القرآن الذي يحارب البغضاء والكراهية والعداوة، وأشار إلي أن الله عز وجل عندما حرم الخمر لم يعلل تحريمها بأنها تدمر العقل والجسم، وإنما لأنها توقع العداوة والبغضاء بين الناس. لافتا إلي أن حماية الناس من العداوة والبغضاء هما السبب في تحريم الخمر- أم الخبائث - ومبينا أن الله عز وجل يريد من عباده أن يتعارفوا وأن يتحابوا مهما اختلفت أديانهم، وأن أخوة الإنسانية تجمعهم فكلهم أبناء آدم.
و فند القرضاوي مزاعم البرلماني الهولندي بأن أسماء الله الواردة في القرآن تحث علي العنف، فأكد أن أسماء الله التي وردت في آيات القرآن الكريم تجمع بين الرحمة والمغفرة، مشيرا إلي أن (113) سورة من بين (114) سورة، تبدأ بالبسملة بسم الله الرحمن الرحيم ، والفاتحة أول سور القرآن تؤكد آياتها أن الله هو: الرحمن الرحيم ، وأن المسلم يقرأ تلك السورة (17) مرة في الصلوات الخمس لتتمكن الرحمة من قلبه ونفسه.
ولفت القرضاوي الذي اعتذر عن خطبة الجمعة أمس الأول بعد أن أعلن عنها نظرا لضعف مر به: إلي أن اسم الله (الجبار) لم يرد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة في أواخر سورة الحشر ضمن أسماء أخري وردت في قوله تعالي: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِيءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَي وأوضح مجددا ما ذكره في خطب جمعة سابقة أن صفه الله (الجبار) وردت في القرآن لبيان جبروته سبحانه علي الفراعنة والمستكبرين والمتجبرين علي الناس بغير الحق. وقارن بين صفة الله في القرآن الكريم وصفته في التوراة التي يؤمن بها البرلماني الهولندي المتعصب فأوضح أن صفة الله في القرآن: أرحم الراحمين وردت أربع مرات، وصفته خير الراحمين وردت مرتين. وفي المقابل فإن سورة الله في التوراة: أنه منتقم غضوب ينتقم من الآباء في أبنائهم حتي الجيل الثالث والرابع. مفندا زعم البرلماني الهولندي بأن القرآن يحرض علي القتل، مبينا أن العكس هو الصحيح، فالقرآن يحرم قتل النفس إلا بالحق، وينص علي أن من قتل نفساً بغير ذنب فكأنما قتل الناس جميعا. وأوضح أن الإسلام لا يدعو للقتل، وعندما شرع الجهاد فقد كان دفاعا عن الدين وعن الوطن وعن الأرض والعرض والحرمات.
ونفي أن يكون الإسلام متعطشا لسفك الدماء وقتل الأبرياء، مشيرا إلي حديث النبي صلي الله عليه وسلم: لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية .
وذكر القرضاوي أن فكرة القتل يرفضها الإسلام حتي بالنسبة للحيوانات مشيرا إلي رفض النبي صلي الله عليه وسلم طلب الصحابة بإبادة الكلاب الضالة في المدينة المنورة قائلا لهم: لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها . ومبينا أن مبدأ قتل الشعوب وإبادتها فكرة توراتية، حيث تدعو التوراة اليهود لقتل ذكور الشعوب التي ينتصرون عليها سواء كانوا أطفالا أو كبارا.
وقال إن المسيحيين طبقوا فكرة إبادة الشعوب التي أمرتهم بها التوراة علي سكان أمريكا وأستراليا الأصليين، فقد تمت إبادتهم علي يد المستعمر الجديد. معربا عن أسفه لأن كثيرا من المسلمين يقدمون صورة مشوهة عن الإسلام بسبب سوء فهمهم لما أمر به القرآن الكريم.
ودعا لفهم أعمق وفقه أشمل لما جاء به الإسلام من رحمة ودعوة للمسالمة والأخوة الإنسانية بين البشر جميعا، وتمني أن يعرف غير المسلمين حقيقة الإسلام وما يريد لهم من رحمة وخير وسلام.
وعبر القرضاوي عن سروره من موقف الحكومة الهولندية التي أعلنت بصراحة براءتها من النائب، وإدانتها لما قام به وأسفها لعرض الفيلم الذي لا يحقق سوي الإهانة والإساءة لمشاعر المسلمين، والذي يجعل الإسلام والعنف في كفة واحدة، رغم رفض أغلبية المسلمين للعنف، ووقوعهم ضحايا في أكثر من مكان في العالم.كما رحب بموقف الجالية الإسلامية واتحاد المنظمات الإسلامية في هولندا، حيث وقفوا موقفا عقلانيا هادئا، وتبنوا الردود المتزنة علي موقف النائب المتعصب، ودعا للتعريف بالقرآن ورسالته الحضارية للناس أجمعين لتفويت الفرصة علي الذين يعكرون الماء ليصطادوا، وليشوهوا صورة الإسلام والمسلمين.
_____________
نقلا عن جريدة الراية القطرية بتصرف بسيط