فضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوي |
دعا متحدث باسم الحكومة البريطانية إلى فتح نقاش للاستفادة من آراء رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي البعيدة عن الفكر المتطرف، رافضا في الوقت نفسه التعليق بشكل مباشر على قرار حكومته بمنع الشيخ من الدخول للبلاد بهدف العلاج.
واعتبر قيادي بارز في الأقلية المسلمة تصريحات المتحدث إقرارا ضمنيا بخطأ الحكومة في قرارها رفض إعطاء العلامة القرضاوي تأشيرة دخول إلى لندن، معتبرا هذا القرار انعكاسا لصراع سياسي داخلي بين التيارات المؤيدة والرافضة دخولَ الشيخ لندن، واستجابة لضغوط الرافضين.
وحول دوافع رفض لندن السماح للقرضاوي بدخول بريطانيا، رغم سماحها له بذلك مرات عديدة، قال المتحدث الرسمي جون ويلكس إنه "لا يستطيع التعليق على التفاصيل وذلك احتراما لشخصية المتقدم (القرضاوي) بالحصول على التأشيرة ولكن سندع التعليقات إلى أصدقائه وخصومه في بريطانيا".
وردا على سؤال بشأن اعتبار مسلمي بريطانيا رفض منح القرضاوي تأشيرة دخول بأنه مثال على تشدد الحكومة برئاسة جوردون براون ضدهم، أجاب قائلا في حديث لفضائية "الجزيرة": "إن موقف الحكومة لم يتغير.. نحن لا نستهدف الجاليات العربية والإسلامية في بريطانيا، ولكننا نستهدف فقط الأيديولوجية التي تقف وراء الهجمات التي شاهدناها في بريطانيا خلال السنوات الأخيرة".
واستطرد قائلا: "نحن لا نستهدف الدين ولا نستهدف الثقافة الإسلامية، ولكننا نريد أن نبني تحالفا بين أبناء المجتمع والحكومة ضد الأيديولوجية التي تروج لها القلة في المجتمع وتدعو للهجمات الإجرامية وتدعو للقتل".
وتابع في هذا السياق: "نحن في الحكومة نشجع الحوار بين الجاليات المختلفة ونستمع إلى إخواننا في الجالية المسلمة.. وتعلمنا الكثير حول تلك الأيديولوجيات وحتى على مستوى العبارات".
وأثارت زيارة قام بها القرضاوي عام 2004 إلى لندن لتدشين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حملة عدائية من اليمين البريطاني المتشدد وجماعات صهيونية على خلفية فتوى أصدرها الشيخ القرضاوي قبل نحو عشرين عاما تجيز العمليات الاستشهادية ردا على الاحتلال الإسرائيلي.
"الله يعطيه العافية"
وبالرغم من أن ويلكس تطرق في حديثه بوجه عام إلى أن أحد منطلقات سياسة حكومته تجاه المسلمين ترتكز على رفض الأيديولوجيات المؤيدة للعنف فإنه أقر في الوقت نفسه بأن القرضاوي لا يتبنى هذه الأيديولوجية، ودعا له بقوله: "الله يعطيه العافية".
ولم يكتف بذلك بل رأى أيضا في حديثه أنه "لا بد من أن نستمع للعلماء حتى الشيخ القرضاوي ولا بد أن نفهم النقاش داخل العالم الإسلامي حول أيديولوجيات القاعدة، وطبعا الشيخ القرضاوي يعارض هذه الأيديولوجيات، ولا بد أن نستمع لهذه الأفكار والاستفادة منها".
وشهدت لندن في يوليو 2005 تفجيرات تبناها تنظيم القاعدة وأدانها بشدة القرضاوي.
وقالت الحكومة البريطانية الخميس إنها رفضت منح القرضاوي (81 عامًا) تأشيرة دخول لتلقي العلاج بأراضيها، وقالت متحدثة باسم وزارة الداخلية البريطانية: "لقد اتخذنا قرارًا استنادًا إلى تأثير هذه الزيارة على الجاليات المحلية في المملكة المتحدة".
وأضافت: "لن تسمح بريطانيا بوجود أشخاص يسعون إلى تبرير أي عمل إرهابي أو يعبرون عن آراء قد تتسبب بأعمال عنف بين مكونات المجتمع"، وذلك في إشارة لفتوى أصدرها الشيخ ضمن مجموعة من العلماء تؤيد العمليات الاستشهادية لمواجهة المحتل لبلاد المسلمين.
غير أن الشيخ القرضاوي أرجع رفض منحه التأشيرة إلى ضغوط مارسها على الحكومة البريطانية كل من "المحافظين الجدد" و"اللوبي الصهيوني" و"الإعلام المحرض" معتبرا أن هذا الثالوث "يريد إسلاما على هواه".
"اعتراف بالخطأ"
وفي معرض تعقيبه على تصريحات ويلكس قال عزام التميمي -مدير معهد الفكر الإسلامي في بريطانيا-: "إن حديث ويلكس يقر بأن قرار الحكومة كان مخطئا لأنه يعترف بفضل الشيخ القرضاوي وأنه ليس متطرفا".
وتابع قائلا: "القرضاوي من أهم فقهاء العصر الحديث وخلال زيارته لبريطانيا (عام 2004) استقبل استقبالا حافلا حيث استقبله على باب الطائرة مسئولون في الحكومة وقتها وكانت معروفة آرائه وكان لم يبدل مواقفه".
وكان القرضاوي قد أدان بشدة جميع الهجمات الإرهابية التي وقعت في الغرب بما فيها هجمات 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة، وتفجيرات العاصمة البريطانية لندن في 2005 والعاصمة الإسبانية مدريد في 2004، فضلاً عن تفجير بالي الذي استهدف سياحا في إندونيسيا عام 2002.
واعتبر التميمي أن رفض منح تأشيرة دخول للقرضاوي دليل على "وجود صراع داخلي بريطاني.. هناك تيارات سياسية متعاركة في الساحة ويريدون أن يدفع الشيخ القرضاوي وأن يدفع المسلمون ثمن هذه الصراعات.. نحن المسلمين الشماعة التي يعلقون عليها هذه الخلافات".
وتطرق في هذا السياق ذاته إلى انتخابات عمدية لندن القريبة، بقوله: إن التيار المحافظ يسعى إلى عدم وصول كين ليفنجستون المعروف بتأييده لقضايا المسلمين لهذا المنصب، و"أصبح أعضاء حزب العمال يتسابقون مع المحافظين في إبداء عداوتهم للمسلمين".
وكان ديفيد كاميرون زعيم حزب المحافظين قد اتهم رئيس وزراء بلاده جوردون براون الأسبوع الماضي بالتردد في التعامل مع الشيخ القرضاوي بعد أن كشفت تقارير إعلامية بريطانية أن حكومته تعتزم السماح للشيخ بزيارة لندن بغرض العلاج.
وطالب كاميرون حكومة براون بحرمان من اعتبرهم "وعاظ الكراهية" -على حد وصفه- من دخول المملكة المتحدة. كما طالب بتقديم ضمانات بأنها لن تسمح للقرضاوي بدخول المملكة المتحدة. وفي رده عليه قال براون إن حكومته ستصدر بيانًا بهذا الصدد في القريب العاجل.
من جانبه انتقد مجلس مسلمي بريطانيا الذي يشرف على منظمات إسلامية في البلاد قرار عدم منح تأشيرة الدخول، واعتبرها بمثابة "رسالة خاطئة إلي المسلمين".