إحدى جلسات المؤتمر |
يغيب العلامة د. يوسف القرضاوي عن جلسات الدورة الـ18 لمجمع الفقه الإسلامي المنعقد بماليزيا؛ وذلك لانشغاله بالإعداد للمؤتمر الخاص به، والذي سيعقد في العاصمة القطرية الدوحة، في الفترة من 14 إلى 16/7/2007.
ومع ذلك فقد حرص القرضاوي على أن يشارك ببحث في أعمال هذه الدورة، عن تفعيل دور الزكاة في مكافحة الفقر بالاستفادة من الاجتهادات الفقهية.
فقد أوضح من خلال بحثه الذي عرض في اليوم الثاني للمؤتمر الثلاثاء 25 جمادى الآخرة 1428 هـ أن الزكاة كما شرعها الإسلام هي أول مؤسسة للضمان الاجتماعي عرفها التاريخ، في حين عرف الغرب هذا الضمان الاجتماعي رسميا في سنة 1941م حين اجتمعت كلمة إنجلترا وأمريكا في ميثاق الأطلنطي على وجوب تحقيقه للأفراد.
ولفت القرضاوي إلى أن الدول الغربية إذا كان دافعها هو استرضاء شعوبها وحثها على الاستمرار في النضال، فإن الدافع إلى الزكاة في الإسلام لم يكن شيئا عارضا ولا نتيجة لثورة من الفقراء أو طلب منهم أو من غيرهم.. بل كان الدافع إلى ذلك هو أمر الله الذي قرن الزكاة بالصلاة في كتابه الكريم، وجعل ترك هذه ومنع تلك سببا لدخول النار (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) المدثر: 42- 44.
ضمان لغير المسلمين
كما أوضح القرضاوي أن "من روائع الإسلام أنه لم يجعل دائرة الضمان مغلقة على المسلمين وحدهم دون غيرهم من أهل الملل الأخرى.. على الرغم من أن الدولة الإسلامية التي قررت هذا الضمان ورعته لم تكن دولة قومية ولا إقليمية، بل دولة فكرة وعقيدة.. فهي دولة أساسها الإسلام.. وبرغم هذا أبى عدل الإسلام -وهو عدل الله- إلا أن تكون دائرة الضمان الاجتماعي في دولته إنسانية عامة، تسع كل من يستظل بلواء الإسلام ويعيش في كنف مجتمعه، مسلما كان أو غير مسلم".
وأشار القرضاوي في بحثه إلى أن الفقر ليس مشكلة اقتصادية فحسب، ولكنه مشكلة اجتماعية وسياسية؛ لتأثيره على الجانبين بما يفرزه من نتائج.
وأوضح القرضاوي أن دور الزكاة في علاج مشكلة الفقر يعرفه العامة والخاصة من المسلمين وغيرهم، بل ربما لا يعرف الكثيرون دورا للزكاة غير معالجة الفقر.
وأكد أن الزكاة ليست هي العلاج الوحيد للفقر في نظر الإسلام، فهناك العمل الذي يجب أن يسعى إليه الفرد، ويساعده أولو الأمر في توفيره؛ ليسد عن طريقه حاجاته ويكفي نفسه وأسرته.
كما نبه القرضاوي على أن مهمة الزكاة ليست مقصورة على علاج مشكلة الفقر وما يلحق بها من مشكلات اجتماعية، ولكن من مهمتها مساعدة الدولة المسلمة على تأليف القلوب، وتثبيتها على الإسلام والولاء له ولأهله، ومساعدتها كذلك على أداء الفريضة المحكمة الباقية ليوم الدين وهي الجهاد؛ لإعلاء كلمة الإسلام ويدخل في ذلك الجهاد لتحرير الأوطان من الغزاة المحتلين، كما يدخل فيه نشر الدعوة الإسلامية في العالم بأساليب العصر وبمنطق العصر.
شروط نجاح الزكاة
وقد خصص القرضاوي فصلا كاملا تناول فيه ما أسماه شروط نجاح الزكاة، مؤكدا أن "الزكاة لا تؤتي أكلها إلا بشروط يجب توافرها، وبإهمال هذه الشروط فإن إصدار أي قانون للزكاة لن يحقق ما ينشده المخلصون من ورائه".
وأول شرط أشار إليه القرضاوي هو الأخذ بنظرية الموسعين في إيجاب الزكاة، ومفادها أن كل مال نامٍ يكون وعاء أو مصدرا للزكاة، ولو لم ينص النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب الأخذ منه بذاته، فيكفينا أن يدخل في العموميات القرآنية.
الشرط الثاني الذي قال به القرضاوي هو تحصيل زكاة الأموال الظاهرة والباطنة، فالظاهرة هي التي يمكن لغير مالكها حصرها ومعرفتها وتشمل المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية.. والأموال الباطنة هي النقود وما في حكمها وعروض التجارة.
كذلك جعل القرضاوي حسن الإدارة التي تشرف على جباية الزكاة وتوزيعها شرطا لنجاح تلك العملية، حيث أوضح أن حسن الإدارة يتمثل في عدة عناصر؛ أهمها: حسن اختيار العاملين في مؤسسة الزكاة، وكذلك مراعاة التبسيط والاقتصاد في النفقات الإدارية.
الشرط الرابع الذي أشار إليه القرضاوي أيضا هو حسن التوزيع، وقيامه على أسس سليمة، بحيث لا يحرم من الزكاة من يستحقها، ويأخذها من لا يستحقها، أو يأخذ المستحق ما لا يغني.
كما لفت إلى ما أسماه تكامل العمل بالإسلام.. حيث أشار إلى أنه يقصد به أن يتحول المجتمع تحولا حقيقيا إلى الإسلام؛ بإيجاد المجتمع المسلم الذي ينقاد لأحكام الله، ويعمل بفرائضه، ويتجنب محارمه، فالزكاة لا تحقق أهدافها وتؤتي أكلها في مجتمع مضيع لفرائض الله، منتهك لمحارمه، معطل لأحكامه، لا يتقيد بشريعة الإسلام ولا بمنهجه.
اقرأ أيضاً: