أكد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة الدكتور يوسف القرضاوي في البيان الختامي الذي أصدره عقب اجتماع مجلس أمناء الاتحاد على أن "ما يصيب الأمة في أرض فلسطين يوجب على المسلمين حيثما كانوا أن يعينوا إخوانهم بشتّى أنواع الجهاد، وأن يحولوا دون أية محاولة لتسويق مشروع شارون في الاقتصار على غزة وجزء من الضفة، ودون أي خفض لسقف المطالبة بحقّ الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه والعودة الى بلده".
كما أكد على "وجوب دعم المقاومة الفلسطينية"، وأن عليها "بجميع فصائلها أن تواصل حرصها على تحريم الدّم الفلسطيني بعضه على بعض، وعلى تمسكها بالثوابت الاسلامية والوطنية في الشأن الفلسطيني"، ودعا "سائر التجمعات والأحزاب والفصائل الفلسطينية لاسيما حركة فتح أن يضربوا المثل والقدوة في التعاون لإنجاح مشاورات تشكيل حكومة وحدة وطنية وتمكينها من أداء واجبها وتحمل مسؤولياتها".
عون الفلسطينيين
وجاء في بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي تلاه أمينه العام الدكتور محمد سليم العوا في مؤتمر صحفي أن الاتحاد يدعو "الأمة الاسلامية إلى المسارعة بمد يد العون الواجب إلى إخوانهم في فلسطين... ولا سيما في مجال المشروعات الاقتصادية والإعمارية العملية لإسناد الشعب الفلسطيني في الداخل، وخصوصاً في مدينة القدس، وتعميم مشروع المؤاخاة بين العائلات العربية والاسلامية في العالم وبين العائلات الفلسطينية في الداخل".
وكان رئيس الاتحاد الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي قد افتتح المؤتمر الصحفي بكلمة عرض فيها دوافع نشأة الاتحاد وأبرز إنجازاته ولجانه المتخصصة التي جرى تشكيلها، ودعا العلماء في العالم إلى التفاعل مع الاتحاد، قائلاً: "هذا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو اتحادكم، هو للمسلمين والمسيحيين، للسنة والشيعة، نريد أن نجمع كل هذه الأمة في هذا الاتحاد على اختلافها، أرجو أن تشدوا أزره وتقفوا إلى جانبه، وتعتبروا أنه اتحادكم، وليس له هدف إلا خدمة الأمة وخدمة المثل العليا التي جاءت بها الديانات السماوية كلها".
واستنكر القرضاوي الصمت العربي والدولي تجاه ما يحدث في فلسطين من قتل وتشريد وتدمير، وتطرق إلى ما يجري في العراق فقال: "الفتنة الطائفية التي تجري هناك لا تجوز أن تبقى بحال من الأحوال كما هي، وكلنا مسؤول، ويجب أن نتحمل مسؤولياتنا جميعاً «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»".
وأدان البيان الختامي للاتحاد "جميع أنماط الحصار التي تُفرض على الشعب الفلسطيني"، وكرر إدانته للجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني، وآخرها مجزرة بيت حانون البشعة، كما أدان "المواقف السلبية والمتخاذلة المتجلية في مواقف وقرارات وتصريحات مجلس الأمن، والصمت العربي والدولي المطبق في وجه الحصار الظالم والانتهاكات المتكررة لحقوق الانسان، الا باستثناءات نادرة".
واستنكر الاتحاد "ما تمارسه قوات الاحتلال الصهيوني من عدوان متمثل في اعتقال رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني وعدد من نوابه"، ودعا المنظمات الدولية ودول العالم الحر الى "استنكار هذا الخرق الفاضح لحقوق الانسان، والعمل الجاد لإنهاء آخر شكل من أشكال الاستعمار البغيض في العالم وهو الاستعمار الصهيوني لفلسطين".
وحذّر الاتحاد "من المؤامرة الكبرى المتمثلة في محاولة نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في فلسطين تحت أية ذريعة"، وناشد أصحاب القرار "أن لا ينجرّوا إلى تنفيذ مخططات أعداء الأمة الرامية الى ايجاد مخرج لقوات الاحتلال".
الشأن العراقي
واعتبر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن "ما ترتكبه الجيوش الأجنبية الغازية للعراق، والجماعات المسلحة غير المسؤولة ذات التوجه التكفيري أو الطائفي (...) يمثل وصمة عار في جبين الدول التي تقوم بها"، وأهاب "بحكومات هذه الدول بلا استثناء أن تسترجع إنسانيتها وأن تنسحب من العراق انسحاباً فورياً، لتمكين الشعب العراقي من إدارة شؤون بلاده بنفسه". كما أهاب الاتحاد بـ "الجماعات المسلحة أن تلتزم بما دعت اليه المرجعيات السنية والشيعية في وثيقة مكة المكرمة، من تحريم الدم العراقي والممتلكات ودُور العبادة، وعدم المساس بها تحت أية دعوى من دعاوى الطائفية أو التكفير". مؤكداً "تنديده لجميع أعمال العنف والارهاب والقتل والتخريب والخطف والتفجيرات التي توجه نحو الأبرياء"، ومحذراً "من كل من له يد في هذه الفتنة في الداخل والخارج".
وأكد الاتحاد على "أن العراق اليوم يتعرض لمؤامرة كبرى تهدف الى تمزيق نسيجه الاجتماعي من خلال إثارة نعرات الطائفية وتضخيم نقاط الخلاف وجعله ضحية لسياسات خارجية، وجعل ساحته ساحة صراع للتصفية بين دولة الاحتلال وأعدائها".
ودعا "بلدان العالم الاسلامي، ولاسيما دول الجوار العربية والاسلامية، إلى دعم الشعب العراقي والمساهمة في وضع الحلول لإعادة سيادته بالكامل وإخراج المحتل"، كما دعا "علماء السنة والشيعة في العراق وبخاصة المرجعيات الكبرى، الى تحمل مسؤوليتهم في الحفاظ على وحدة الشعب والوقوف في مواجهة هذه الفتن". كما دعا "المرجعيات الى عقد اجتماع حقيقي أو مجازي (من خلال المحادثة الفيديوية)، في سلطنة عُمان أو اليمن، للاتفاق على ميثاق شرف، يحرّم دماء أهل القبلة ومواطنيهم من غير المسلمين، ويجدد العهد على السعي الى التقريب، ومحاربة أية محاولة من محاولات الفرقة بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد".
الصومال ودارفور
ورحب الاتحاد "ببوادر الاتفاق بين جميع الأطراف الصومالية"، واستنكر "تدخل الدول الأجنبية في شؤون الصومال واقتحام جزءا من أراضيها".
وأعرب الاتحاد "عن تأييده للجهود التي تبذلها الحكومة السودانية في رأب الصدع الوطني الداخلي الناتج عن أزمة دارفور، والأزمة في شرق السودان"، وأبدى تأييده "للتوجه الذي أعرب عنه البرلمان العربي من عدم القبول بوجود قوات دولية في أي جزء من أرض السودان دون موافقة حكومته". ودعا "الدول العربية والدول الاسلامية الافريقية، إلى تحمل مسؤولياتها في قوات حفظ السلام في دارفور، وفي جنوب السودان، بما يقطع الطريق أمام التدخل الأجنبي في هذا البلد العربي الافريقي المسلم، ويحفظ له استقلاله ووحدة أراضيه".
وأعرب الاتحاد "عن قلقه البالغ مما تتعرض له الأقليات المسلمة في عدد من دول العالم من اضطهاد جائر، واستهانة بمشاعر المسلمين وشعائرهم ومظاهر حياتهم الفردية والجماعية"، داعياً "حكومات تلك الدول الى ضمان حصول المواطنين المسلمين فيها على حقوقهم الكاملة بما في ذلك حقهم في التعبير وممارسة الشعائر الدينية، وحق تقرير المصير في المناطق التي يؤلف المسلمون فيها أكثرية مطلقة".
وكرر الاتحاد دعوته "إلى إحياء المصالحة الشاملة بين فعاليات الأمة كافة... على أساس من كفالة الحقوق والحريات وتوسيع قاعدة المشاركة والتزام النهج السلمي قولاً وعملاً"، وعبّر "عن قلقه العميق لما يلاحظه من توقف جهود الاصلاح التي كانت قد بدأت في بعض الدول العربية والإسلامية ومن خفوت الدعوة إلى الاصلاح في غيرها"، مرحباً "بالجهود التي تبذل في بعض الأقطار العربية لتحقيق المصالحة بين جميع الفئات العاملة لخدمة الفكرة الاسلامية، ولا سيما أولئك الذين انتهجوا سبيل العنف والتغيير بالقوة عدداً من السنين، ثم فاءوا الى كلمة الحق وعادوا الى منهج الوسطية الاسلامية الذي يتبناه الاتحاد ويدعو اليه".
وأكد الاتحاد "على ضرورة الإسراع في الافراج عن سائر المعتقلين السياسيين في جميع دول العالم الاسلامي، واستيعاب الجميع في الحياة العملية، استثماراً لطاقتهم، واستفادة من تجربتهم في الحيلولة بين الشباب المسلم وبين الوقوع في براثن دعاة الغلو والعنف والتكفير".
ولاحظ الاتحاد "ما تورده التقارير المحلية والعالمية عن تدني مستوى الالتزام بمعايير حقوق الانسان في معظم أقطار العالم الاسلامي".
واستهجن الاتحاد "ما يحدث في تونس من منع قانوني للزي الاسلامي للمرأة، وما تتعرض اليه النساء التونسيات من منع من الدراسة أو العمل أو مضايقات في الشارع جراء إرتداء الزي الاسلامي"، معتبراً هذا السلوك "مخالفة صريحة للاتفاقية الدولية لحقوق المرأة (سيداو SIDAW) وانتهاكاً للحرية الشخصية التي كفلتها المواثيق الدولية"، ودعا الحكومة التونسية "الى رفع هذه المعاناة عنهن وتمكينهن من الالتزام بأوامر الشرع، وممارسة الحقوق الشخصية التي تكفلها المواثيق الدولية".
وأكّد الاتحاد على قراره السابق "بوقف الحوار مع الفاتيكان الى أن يظهر ما يبرر الاعتقاد بجدوى استئناف الحوار في جو من الموضوعية والعقلانية والاحترام المتبادل".
وأخيراً، أعرب الاتحاد "عن يقينه بقدرة اللبنانيين على تجاوز أزمتهم والخروج منها واستعادة دور لبنان البنّاء في حاضر الأمة ومستقبلها".
يذكر أن مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عقد مؤتمره الثاني في بيروت خلال الفترة الممتدة من 8-10/11/2006.