د. يوسف القرضاوي

إذا تسامحت العلمانية، واعترفت لله بحق التشريع، فإننا نجدها تعطي الإنسان حق النسخ لما شرع الله، بدعاوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، فهي تحل ما حرم الله، وتحرم ما أحل الله، وتسقط ما فرض الله، وتعطل ما شرع الله.

إنها - في قرارة نفسها- لا تقدر الله حق قدره، حين تستبعد أن يحيط الله تعالى شأنه، بما يحدث للبشر، برغم تغير الزمان، وتبدل المكان، وتطور الإنسان، وأن يشرع لهم من الأحكام، ويضع لهم من القواعد، ما يصلح لهم، ويصلحهم ويرقى بهم، أفرادا وجماعات، وإن مضى عليه أربعة عشر قرنا من الزمان.

والإسلام يقوم على عقيدة راسخة بأن الله العظيم، لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عن علمه شيء في السموات ولا في الأرض، وأن الماضي والحاضر والمستقبل بالنسبة له سواء، فهو يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون. {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (سورة يونس:61).

إن "الشريعة" هي العدو الأول للعلمانيين في البلاد الإسلامية؛ لأنها هي التي تنقل الإسلام من عالم النظريات والمثاليات إلى دنيا الواقع والتنفيذ، وهي التي تهيئ للمجتمع سياجا من القوانين، يحميه من عدوان العادين، وهي التي تردع من لم يرتدع بوازع الإيمان، كما قال الخليفة الثالث: "إن الله ليزع بالسلطان، ما يزع بالقرآن".

وأشد ما تكون عداوة العلمانيين للشريعة، فيما كان مضادا لاتجاه الحضارة الغربية، وفلسفتها في التشريع، والنظرة إلى الفرد والمجتمع، وذلك مثل: تحريم الربا في القانون المدني، أو تحريم الزنى والسكر في القانون الجنائي، أو تحديد الجزاء على الجرائم، بعقوبات بدنية مثل: الجلد، والقطع، ونحو ذلك.

..............

- من كتاب "الإسلام والعلمانية وجها لوجه" لفضيلة الشيخ.