د. يوسف القرضاوي

في "ملتقى الفكر الإسلامي" الذي عقد في الجزائر سنة 1987م ـ على ما أذكر ـ كان موضوعه "الإسلام والحياة الروحية" وطلب إلي منظمو الملتقى أن أفتتحه بمحاضرة أساسية عن "منهج القرآن والسنة في إقامة الحياة الروحية".

وألقيت هذه المحاضرة، وكانت مرتجلة، ولكنها معدة إعدادا طيبا، موثقا بالأدلة الناصعة من الكتاب وصحيح السنة، مستأنسا بأقوال ربانيي الأمة، ولا سيما كبار شيوخ الصوفية المشهود لهم بالاستقامة والفضل.

ولقد لاحظت أن المحاضرة شدت جمهور الحاضرين، وكان لها تأثير بالغ على نفوسهم، حتى قام صديقنا الدكتور سعيد رمضان البوطي، وقال: لقد ظهر لنا أن الشيخ القرضاوي صوفي مقنع! يريد أن يخفي صوفيته بقناع العقلانية والسلفية!

وقال لي صوفي جزائري كبير معروف، ونحن على مائدة الغداء: لقد منحك الله شيئا، به يتميز كلامك عن غيره، قلت: وما هو؟ قال: اللوعة! قلت: ماذا تعني؟ قال: في كلامك حرقة غير مصطنعة، تؤثر في سامعيك وهي هبة ربانية، يختص الله بها من يشاء من عباده.

وأذكر أني في جلساتنا مع شيخنا البهي الخولي رحمه الله، كنت أنقد بعض كلمات الصوفية وبعض موافقهم، فكان يحسبني متمردا على التصوف كله، فلما أخرجت كتابي "العبادة في الإسلام" وكتابي "الإيمان والحياة" قال لي: إنك تحمل قلب صوفي خدعنا عنه عقل الفقيه!

وفي زيارتي لندوة العلماء ودار العلوم بمدينة لكنهو بالهند، في أوائل الثمانينات، ألقيت عددا من المحاضرات في موضوعات فكرية متعددة كان لها وقعها وأثرها، ولكن أهم ما لفت نظري قول الإخوة من علماء الندوة وأساتذة الدار: إننا اكتشفنا أنك من رجال التربية الروحية!

ويبدو أن الجميع يعتقدون أن سلفية الداعية، وعقلانية المفكر، تتعارضان مع النزعة الربانية أو الروحية، وهذا في رأيي غير صحيح، فقد كان ابن تيمية وابن القيم سلفيين وهما ربانيان، وكان الغزالي عقلانيا، وهو رباني، فلا تناقض بين هذه الأمور إذا فهمت على وجهها السليم، ووضع كل منها في موضعه الصحيح، وإن كان بيني وبين هؤلاء الربانيين مراحل ومراحل.. وأسأل الله العفو والمغفرة.

______

- من كتاب "الحياة الربانية والعلم" لفضيلة الشيخ.