د.يوسف القرضاوي
مما ينبغي للمسلم أن يعرفه من أحكام دينه أنه يأمره بالاعتدال في حياته والاقتصاد في معيشته: "وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأنعام:141، والأعراف:31)، "وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ" (الإسراء:26-27).
وحين طلب القرآن من المؤمنين أن ينفقوا، لم يطلب إليهم إلا إنفاق بعض ما رزقوا لا كله، ومن أنفق بعض ما يكتسب فقلما يفتقر، ومن شأن هذا التوسط والاعتدال ألا يحوج المسلم إلى الاستدانة، وخصوصا أن النبي صلى الله عليه وسلم كرهها للمسلم، فإن الدين في نظر الرجل الحر هم بالليل ومذلة بالنهار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". وقال: "أعوذ بالله من الكفر والدين. فقال رجل: أتعدل الكفر بالدين يا رسول الله؟ قال: نعم".
وكان يقول في صلاته كثيرا: "اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم (الدين) فقيل له: إنك تستعيذ من المغرم كثيرا يا رسول الله. فقال: إن الرجل إذا غرم (استدان) حدث فكذب ووعد فأخلف".
فبين ما في الاستدانة من خطر على الأخلاق نفسها.
وكان لا يصلي على الميت إذا عرف أنه مات وعليه ديون لم يترك وفاءها، تخويفا للناس من هذه العاقبة، حتى أفاء الله عليه من الغنائم والأنفال، فكان يقوم هو بسدادها.
وقال: "يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين".
وفي ضوء هذه التوجيهات لا يلجأ المسلم إلى الدين إلا للحاجة الشديدة، وهو حين يلجأ إليه لا تفارقه نية الوفاء أبدا.
وفي الحديث: "من أدان أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".
فإذا كان المسلم لا يلجأ إلى الدين المباح (أي بغير فائدة) إلا نزولا على حكم الضرورة وضغط الحاجة، فكيف إذا كان هذا الدين مشروطا بالفوائد الربوية؟!
ــــــــــ
- من كتاب "الحلال والحرام في الإسلام" لفضيلة الشيخ.