د. يوسف القرضاوي
إن الإسلام هو المنهج أو المذهب أو النظام الوحيد في العالم، الذي مصدره كلمات الله وحدها، غير محرفة ولا مبدلة و لامخلوطة بأوهام البشر، وأغلاط البشر، وانحرافات البشر.
والمناهج أو الأنظمة التي نراها في العالم إلى اليوم ثلاثة، فيما عدا الإسلام طبعا:
1.منهج، أو مذهب، أو نظام مدني بشري محض، مصدره التفكير العقلي، أو الفلسفي لبشر فرد، أو مجموعة من الأفراد، كالشيوعية، والرأسمالية والوجودية، وغيرها.
2. منهج أو نظام ديني بشري كذلك. مثل الديانة البوذية القائمة في الصين، واليابان، والهند، والتي لا يعرف لها أصل إلهي، أو كتاب سماوي، فمصدرها إذن فكر بشري.
3. منهج أو مذهب ديني محرف، فهو ـ وإن كان إلهيا في أصله ـ عملت فيه يد التحريف والتبديل فأدخلت فيه ما ليس منه، وحذفت منه ما هو فيه، واختلط فيه كلام الله بكلام البشر، فلم يبق ثمت ثقة بربانية مصدره، وذلك كاليهودية والنصرانية، بعد ثبوت التحريف في التوراة والإنجيل نفسيهما، فضلا عما أضيف إليهما من شروح وتأويلات ومعلومات بشرية، بدلت المراد من كلام الله.
أما الإسلام فهو المنهج الفذ الذي سلم مصدره من تدخل البشر، وتحريف البشر، ذلك أن الله تعالى تولى حفظ كتابه، ودستوره الأساسي بنفسه، وهو القرآن المجيد، وأعلن ذلك لنبيه ولأمته فقال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.
الإسلام منهج رباني خالص:
إن الإسلام منهج رباني، مئة في المائة (100%).
عقائده وعباداته، وآدابه وأخلاقه، وشرائعه ونظمه، كلها ربانية إلهية. أعني في أسسها الكلية، ومبادئها العامة، لا في التفريعات والتفصيلات والكيفيات.
عقيدة ربانية:
عقائد الإسلام عقائد ربانية، مستفادة من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، من القرآن الكريم الذي أرسى دعائمها، ووضح معالمها، ومن صحيح السنة المبينة للقرآن.
ليست هذه العقائد من وضع مجمع من المجامع، ولا من إضافة هيئة من الهيئات، ولا من إملاء "بابا" من البابوات.
ليس لأحد من تلاميذ ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ، ولا من أئمة الإسلام وفقهائه الكبار، أن يغير ويبدل في عقيدة الإسلام بالزيادة أو النقص أو التحوير، كما فعل "سانت بولس" في العقيدة النصرانية، حتى إن بعض الكتاب الغربيين المحدثين ليسمون المسيحية الحاضرة "مسيحية بولس"، وليست مسيحية عيسى بن مريم.
عبادات ربانية:
والعبادات الإسلامية ـ أعني الشعائر التي يتعبد بها الله تعالى ـ عبادات ربانية.
فالوحي الإلهي هو الذي رسم صورها، وحدد أشكالها، وأركانها وشروطها، وعين زمانها فيما يشترط فيه الزمان، ومكانها فيما يشترط فيه المكان.
ولم يقبل من أحد من الناس ـ مهما كان مجتهدا في الدين، ومهما علا كعبة في العلم والتقوى ـ أن يبتكر صورا، وهيئات من عنده للتقرب إلى الله تعالى، فإن هذا افتئات على صاحب الحق الأوحد في ذلك، وهو الله تعالى صاحب الخلق والأمر.
ومن فعل شيئا من ذلك فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله، وعد عمله بدعة وضلالة، ورد عليه عمله، كما يرد الصيرفي النقاد العملة الزائفة.
فقد جاء الإسلام في مجال العبادة بأصلين كبيرين، لا يتساهل في واحد منها قيد شعيرة:
الأول: ألا يعبد إلا الله. فلا عبادة لأحد سواه، ولا لشيء سواه، كائنا ما كان، في الأرض أو في السماء، عاقلا أو غير عاقل، وهذا ما تقتضيه ربانية الغاية والوجهة.
والثاني: ألا يعبد الله إلا بما شرعه. وما شرعه إنما يعرف بواسطة رسله المبلغين عنه، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نسخ شرعه كل شرع قبله، والذي كتب الله له الخلود، وتكفل بحفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وما عدا ذلك فهو أهواء وبدع مرفوضة، وإن دفع إليها حسن النية، وشدة الرغبة في زيادة التقرب إلى الله جل شأنه. ولكن النية الصالحة وحدها لا تعطي العمل صفة القبول ما لم تكن صورته مشروعة بالنص الثابت.
فالعمل المقبول له ركنان: أن يكون خالصا لله، وأن يكون على سنة رسول الله.
أخلاق ربانية:
والأخلاق الإسلامية أخلاق ربانية: بمعنى أن الوحي الإلهي هو الذي وضع أصولها، وحدد أساسياتها، التي لا بد منها لبيان معالم الشخصية الإسلامية، حتى تبدو متكاملة متماسكة متميزة في مخبرها ومظهرها، عالمة بوجهتها وطريقتها، إذا التبست على غيرها المسالك، واختلطت الدروب.
ولا غرو أن وجدنا القرآن الكريم ذاته يعني برسم المعالم الرئيسة لأدب المسلم، وخلق المسلم، من الإحسان بالوالدين، وخاصة إذا بلغا الكبر أو أحدهما، والإحسان بذوي القربى، ورعاية اليتيم، وإكرام الجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب الجنب، وابن السبيل، والخدم، والعناية بالفقراء والمساكين، وتحرير الرقاب، والصدق في القول، والإخلاص في العمل، وغض الأبصار وحفظ الفروج، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والتواصي بالمرحمة، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بين الناس بالعدل، والوفاء بالعهد وترك المنكرات، واجتناب الموبقات من الشرك، والسحر، والقتل، والزنى، والسكر، والربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات المؤمنات، والتولي يوم الزحف، وغيرها من كبائر الإثم وفواحشه، إلى غير ذلك من الأخلاق الإيجابية والسلبية، الفردية والاجتماعية.
تشريعات ربانية:
والتشريعات الإسلامية لضبط الحياة الفردية والأسرية، والاجتماعية والدولية، تشريعات ربانية: أعني في أسسها، ومبادئها، وأحكامها الأساسية، التي أراد الله أن ينظم بها سير القافلة البشرية، ويقيم العلاقات بين أفرادها وجماعاتها على أمتن القواعد، وأعدل المبادئ، بعيدا عن قصور البشر، وتطرفات البشر، وأهواء البشر، وتناقضات البشر.
وكانت هذه هي المزية الأولى للتشريع الإسلامي على ما سواه من التشريعات قديمها وحديثها، شرقيها وغربيها، ليبرالها، واشتراكيها. فهو التشريع الفذ في العالم الذي أساسه وحي الله وكلماته المعصومة من الخطأ، المنزهة عن الظلم: (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا، لا مبدل لكلماته، وهو السميع العليم).
وبهذا تقرر في الأصول الإسلامية أن المشرع الوحيد هو الله.
فهو الذي يأمر وينهى، ويحلل ويحرم، ويكلف ويلزم، بمقتضى ربوبيته وألوهيته وملكه لخلقه جميعا، فهو رب الناس، ملك الناس، إله الناس. له الخلق والأمر، وله الملك والملك، وله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم، وإليه يرجعون.
وليس لأحد غيره حق التشريع المطلق، إلا ما أذن الله فيه مما ليس فيه نص ملزم، فهو في الحقيقة مجتهد أو مستنبط أو مقنن، وليس مشرعا أو حاكما.
حتى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه ليس مشرعا، وإنما وجبت طاعته، لأنه مبلغ عن الله. فأمره من أمر الله: (من يطع الرسول فقد أطاع الله).
وقد دمغ القرآن بالشرك الذين أعطوا سلطة التشريع المطلق لبعض البشر من رجال الأديان الذين بدلوا كلمات الله، وغيروا شرع الله، فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله، افتراء على الله.
ــــــــ
- من كتاب "مدخل لمعرفة الإسلام" لفضيلة الشيخ.