د. يوسف القرضاوي
إن العمل لسيادة الإسلام وعودته لقيادة الحياة بعقيدته وشريعته وأخلاقه وحضارته، إنما هو عبادة وقربة إلى الله عز وجل من ناحية، وجهاد في سبيل الله من ناحية أخرى. وتجريد النية لله في هذه العبادة وذلك الجهاد: أمر أساسي لقبول العمل ولنجاحه معا، فالنية المدخولة تفسد العمل، وتلوث النفس، وتضعف الصف، وتحبط الأجر. والنية الصالحة، تصلح العمل، وتقوي العزم، وتفسح الطريق، وتعين على إزالة العقبات، قال تعالى: (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) فدل على أهمية الإرادة والنية في إنجاز المهمة المنشودة، فهي سبب توفيق الله تعالى وتأييده.
وقد كتب سالم بن عبدالله إلى عمر بن عبد العزيز ناصحا له، فقال: اعلم أن عون الله تعالى للعبد على قدر النية، فمن تمت نيته تم عون الله له، ومن نقصت نيته نقص قدره.
ولهذا السر بدأ الإمام البخاري كتابه "الجامع الصحيح" بهذا الحديث الذي عده بعض العلماء ربع الإسلام أو ثلثه: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
وقد روى أن رجلا هاجر إلى المدينة من أجل امرأة يحبها ويريد أن يتزوجها تسمى أم قيس فنسب إليها وقيل له "مهاجر أم قيس".
إن على المسلم العامل للإسلام أن يفتش في زوايا قلبه عن حقيقة نواياه وبواعثه، فإن كان فيها حظ للدنيا أو للشيطان، جاهد أن ينقي قلبه من دخله، وأن يجرد نيته لله، وأن ينذر نفسه محررا لربه، كما قالت امرأة عمران: (رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني، إنك أنت السميع العليم). وهذه الكلمة من أم مريم: (محررا) توحي بأن سنة الله ألا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا من كل شركة، محررا من كل عبودية لغيره.
إن الحياة لا يسود فيها الحق، وينشر الخير، وتعلو كلمة الإيمان، وتخفق أعلام الفضيلة: بتجار المبادئ، الذين لا يعملون إلا ليغنموا ويستفيدوا في الدنيا، ولا بالمرائين الذين لا يعملون إلا ليراهم الناس، ويسمعوا بهم، ويتحدثوا عنهم، ويشيروا إليهم بالبنان، بل ينتصر الحق والخير والإيمان والفضيلة: بالمخلصين الذين يعتنقون المبادئ مؤثرين مستأثرين مضحين لا مستفيدين، معطين لا آخذين.
ــــــــ
- من كتاب "النية والإخلاص" لفضيلة الشيخ.