الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر. الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر. الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر.
الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الإسلام, وأكمل لنا به هذا الدين القويم, وارتضاه لنا ليكون لنا منهاجاً {.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..} [المائدة:3], { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, جعلنا بالإسلام خير أمّة أخرجت للناس, وجعلنا شهداء على الناس كما جعل الرسول علينا شهيدا. وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله, أدّى الأمانة, وبلّغ الرسالة, ونصح للأمّة, وجاهد في الله حقّ جهاده, وتركنا على المحجة البيضاء, على الطريقة الواضحة الغرّاء, ليلها كنهارها لا يزيع عنها إلا هالك, فمن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما, ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبينا.
اللهم صلّ وسلِّم وبارك على على هذا النبي الكريم, وعلى آله وصحابته, وأحينا اللهم على سنته, وأمتنا على ملّته, واحشرنا في زمرته, مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون:
التكبير زينة العيد:
هذا يوم التكبير, جاء في بعض الآثار : "زيّنوا أعيادكم بالتكبير", فالله أكبر الله أكبر الله أكبر. الله أكبر ما صام صائم وأفطر, الله أكبر ما هلّل مهلّل وكبّر, الله أكبر ما أحسن محسن واستبشر, الله أكبر ما أذنب مذنب واستغفر, الله أكبر ما ذهب يوم وأدبر, الله أكبر ما أشرق صبح وأسفر.
الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
التكبير شعار من شعائر الإسلام, به يدخل المسلم الصلاة "مفتاح الصلاة الطهور, وتحريمها التكبير, وتحليلها التسليم", بالتكبير ينتقل المسلم بين أركان الصلاة المختلفة : إذا ركع كبر, وإذا سجد كبر, وإذا قام بين السجدتين كبر. التكبير, به يستقبل المسلم مولوده فيؤذِّن في أذنه اليمنى : الله أكبر, الله أكبر. التكبير, به يدخل المسلم المعارك : الله أكبر الله أكبر, كما قال الرسول الكريم عندما خزا خيبر : " الله أكبر, خربت خيبر, إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين".
التكبير أن تعلم أن الله أكبر من كل شيء, كلّ ما يخيل إليك أنه كبير, فالله أكبر منه, إن كان بعض الناس كبراء عندك فالله أكبر منهم, إن كان المال كبيراً عندك فالله أكبر من المال, إن كان الجاه كبيراً فالله أكبر من الجاه والمنصب, إن كانت الدنيا كبيرة لديك فالله أكبر منها, يستحضر المسلم كبرياء الله تعالى وتعاليه وعظمته كلما نطق بهذا الشعار: الله أكبر.
وفي الأعياد يتكرّر هذا الشعار: الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر كبيراً, والحمد لله كثيراً, وسبحان الله بكرة وأصيلا.
تميز أعياد الإسلام:
الأعياد واحة للإنسان في رحلة الحياة, لا يحتمل الإنسان أن تكون الحياة كلها جدًّا لا لهو فيه, وكلّها تعباً لا راحة فيه, لهذا عرف الناس الأعياد, وعرفت الأمم الأعياد لمناسبات شتى, ربطتها أحياناً بمعان وذكريات قومية, وأحياناً بمعان وذكريات وثنية, ولكن الإسلام ربط أعياده بمعان ربانيّة ومعان إنسانية.
كان للأنصار في الجاهلية عيدان أو يومان يلعبون فيهما, فلما جاء الإسلام أبدلهم الله بهذين اليومين يومين آخرين : يوم الفطر ويوم الأضحى. وهذان اليومان ارتبطا بعابدتين عظيمتين.
1- عيد الفطر ارتبط بفريضة الصيام, تلك العبادة العظيمة التي يتربى فيها المسلم على كمال العبودية لله, يُقوّى فيها إدراته, يدع طعامه من أجل الله, وشرابه من أجل الله, وشهوته من أجل الله, وزوجته من أجل الله, ولذلك استحق أن يُنسب هذا الصيام إلى الله: "..الصيام لي وأنا أجزي به..".
الصيام تربية لإرادة المسلم, يتعلم منه : كيف يدع الشيء وهو يشتهيه, ويستطيع أن يتناوله لو أراد.
ربط الإسلام عيد الفطر بهذه الفريضة, فإذا أتمّها استحق العيد. ولذلك يسمّى العيد يوم (الجائزة), كأنه جائزة لمن صام وقام, جائزة من الله تعالى لعباده يوزّع عليهم مغفرته ورحمته, ولهذا جاء في آية الصيام: {.. يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185].
2- وربط عيد الأضحى بفريضة الحج, فالعيد يوم الحج الأكبر الذي يذهب الناس فيه من مزدلفة إلى رمي الجمار, ثم إلى الطواف بالكعبة, إلى الحلق, إلى النحر والذبح, إلى التحلل. هذا كله في يوم العيد.
المعنى الرباني في أعيادنا:
ربط الإسلام عيد الفطر بالصيام, وعيد الأضحى بالحج, لنعلم أن الأعياد عندنا هي أيام شكر لله عز وجل, ليس العيد انطلاقاً للشهوات كما عرف في أديان أخر : أن يوم العيد يوم يسير الناس وراء شهواتهم, يعبّون منها حلالاً كانت أو حراماً, لا, العيد في الإسلام يبدأ بالعبادة.. بصلاة العيد.. بالتكبير لله عز وجل.
صلاة العيد فرض كفاية على كل جماعة مسلمة, وهي سنة بالنسبة لكل مسلم ومسلمة, من فاتته الصلاة في الجماعة مع الإمام ينبغي أن يصلي وحده, أو يصلي مع أهل بيته.. مع زوجته وأولاده, فالصلاة للرجال وللنساء جميعا.
العيد مهرجان إسلامي للرجال والنساء والأطفال:
وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون يوم العيد يوم مهرجان إسلامي (عرس إسلامي) للأمة كلها, ولذلك دعا الجميع إلى المشاركة فيه, دعا الرجال ودعا النساء, حتى قالت أم عطية رضي الله عنها : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج الأبكار والعوائق وذوات الخدور والحُيض في العيدين, فأما الحُيض فيعتزلن المصلى ويشهدن دعوة المسلمين, قالت إحداهن : إن لم يكن لها جلباب؟ (ثوب خارخي تخرج به) قال: "فلتعرها أختها من جلابيبها" تستعير من أختها.. من جارتها.. من صديقتها.. من قريبة لها, وتذهب إلى صلاة العيد, حتى الحُيض أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضرن ويشهدن العيد, يعتزلن الصلاة ولكن يشهدن الخير ودعوة المسلمين وإن كن حُيّضًا, وهذه سنة هجرها المسلمون للأسف.
مما حدث في المجتمعات الإسلامية: أنهم عزلوا المرأة عن الدين, كأن الدين للرجال وحدهم وليس للنساء, وعزلوها عن المساجد, فلا تذهب إلى جمعة وإلا إلى جماعة, وعزلوها عن العيد, فلا تشارك الرجال فرحة العيد وصلاة العيد.
والحمد لله قد بدأنا مع الصحوة الإسلامية نحيي هذه السنن.
هنا أرى قليلاًَ من الأخوت قد حضرن, ولكن ينبغي أن يحضر النساء, أي أن يأتي كل رجل معه بزوجته وبناته, ليحضرن هذا المهرجان الإسلامي.
المرأة مكلفة كالرجل, المرأة نصف المجتمع, المرأة من الرجل والرجل من المرأة, يكمّلها وتكمّله, فينبغي أن تشارك في هذه العبادات الجماعية, والله تعالى يقول : {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ..} [آل عمران:195], ما معنى {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}؟ معناها : أن الرجل من المرأة والمرأة من الرجل كلاهما لا يستغني عن صاحبه, ولا يستغني عنه صاحبه, ليس أحدهما خصما للآخر, ولا عدوا له.
المعنى الرباني في أعيادنا معنى واضح: معنى الشكر لله تعالى على ما أنعم على الإنسان, ولذلك كان العيد يوم فرحة, كما جاء في الحديث الصحيح: ".. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره, وإذا لقي ربه فرح بصومه", والفرحة بالفطرة لها معنيان:
1- إما معناها الفرحة اليومية, كلما أفطر الإنسان عند الغروب وأكل وشرب, وقال: "ذهب الظمأ, وابتلّت العروق, وثبت الأجر إن شاء الله تعالى".
2- وهناك الفرحة في نهاية الشهر إذا أفطر, وجاء العيد, وانتهى من صيام شهره. هنالك يفرح الفرحة العامة. وفرحته لأمرين:
الأمر الأول: أن الله تعالى أباح له ما كان محرّماً عليه, عادت له الحرية, يأكل ويشرب ويباشر زوجته, ما كان محرّماً عليه خلال نهارات رمضان أصبح مباحاً له اليوم, فهو يحمد الله على هذه الحرية.. على هذه النعمة.
الأمر الثاني: وهناك معنى آخر هو: الفرحة بتوفيق الله تبارك وتعالى له, حيث صام الشهر إيمانا واحتساباً, وقام لياليه إيماناً واحتساباً, وهذه فرحة أعظم كما قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
ويدّخر له فرحة أعظم حينما يلقى ربه ".. وإذا لقي ربه فرح بصومه".
هذا هو المعنى الرباني في أعياد المسلمين.
المعنى الإنساني في العيد:
تمتاز أعياد المسلمين عن أعياد الآخرين بهذا المعنى الرباني العميق, وتمتاز أعياد المسلمين أيضاً بالمعنى الإنساني: إن الإسلام لم يرد أن تكون فرحة العيد مقصورة على الموسرين والواجدين, على حين يحرم منها الفقراء والمساكين.
لا, لا يجوز لك أن تفرح بالعيد وحدك, تجد فيه ما لذّ وطاب من الطعام والشراب, تأكل ملء بطنك, وتضحك ملء سنك, وتلبس الثياب والجديدة, وبجوارك فقير أو مسكين لا يجد القوت, وربما يئنّ من الجوع أنين الملسوع.
هنا فرض الإسلام زكاة الفطر, فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما قال ابن عباس: "طهرة للصائم من اللغو والرفث, وطعمة للمساكين..", إسعافاً لهؤلاء المساكين في هذا اليوم, وقال : "أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم", لا تحوج المسكين والفقير إلى أن يطوف بك, يمدّ يده إليك ويسألك, بل أنت الذي تطوف عليه, وتبحث عنه, وتوصّل إليه الزكاة في بيته.
بهذا تعمّ الفرحة الجميع, يشترك فيها : القادرون والعاجزون, الواجدون والمحرومون, الموسرون والمعسرون, الأغنياء والفقراء.
أما أن يكون العيد عيدا للموسر الغني, وعماً وكربًا على المعسر الفقير, فهذا ما يرفضه الإسلام. لهذا شرع في عيد الفطر (زكاة الفطر), وشرع في عيد الأضحى (الأضحية), توسعة على النفس والأهل, وتوسعة –أيضاً- على الفقراء والمساكين, حتى يأكلوا اللحم في العيد, كما يأكله أهل اليسار.
هذه هي المعاني الإنسانية.
المعنى الاجتماعي في العيد:
وهناك المعاني الاجتماعية:
أن يتواصل الناس في العيد: يصل بعضهم بعضا, يزرو بعضهم بعضا, يهنّئ بعضهم بعضا, يلقى الرجل أخاه فيقول : تقبّل الله منا ومنكم, أي: تقبل الله صيامك وقيامك, منك ومني.
ينبغي أن يهنّئ الناس بعضهم بعضا, خصوصاً الجيران بين بعضهم وبعض, والأقارب بين بعضهم وبعض, لا ينبغي أن يتدابر الناس ويتقاطعوا, الدنيا أهون من أن يتعادى عليها الناس. ولو جاز التدابر والتقاطع والتهاجر في وقت ما, لا يجوز لك أن تكون في هذه المواسم الخيّرة.. في هذه الأعياد الربانية الإنسانية. بل ينبغي للإنسان أن يكظم غيظه وينتصر على شهوته وغضبه, ويحل هذه العقدة من نفسه, ويواصل أقاربه الذين كان بينهم وبينه جفوة.
لا ينبغي أن تهجر أخاك.. أخاك في الدين, فضلاً عن أن يكون أخاك لأبيك أو لأمك. لا تهجر أرحامك وأقاربك, الله تعالى جعل هذه الرابطة (رابطة أبدية): {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:23,22]. إياك أن تكون من هؤلاء.
استعل أيها المسلم على أنانيتك.. على فرديتك.. على غضبك.. وصل أقاربك, في الحديث: "ليس الواصل بالمكافئ..." أي ليس واصل الرحم هو الذي يكافئ إحساناً بإحسان, ومودة بمودة, وهديّة بهديّة, "ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" لأن الوصل إنما يكون بعد انقطاع.
وفي الحديث الصحيح : "تُعرض الأعمال في كل اثنين وخميس, فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا, إلا امرءًا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا". وفي رواية: "أنظروا هذين حتى يصطلحا" (ثلاثا). المغفرة توزّع عن يمين وشمال لأهل التوحيد, إلا هؤلاء المتخاصمين المتقاطعين, فهم محرومون من رحمة الله عز وجل.
مآسينا نحن المسلمين:
أيها الإخوة:
لا يسعنا ونحن نتحدث عن العيد وفرحة العيد, إلا أن نتحدث عن مآسينا نحن المسلمين. العيد يوم فرحة, ولكننا منذ زمن طويل لم تكتمل لنا الفرحة. نريد أن نفرح من أعماق قلوبنا, ولكنا لا نجد لهذه الفرحة مكانا, فمآسي المسلمين حيثما شرّقنا أو غرّبنا, ذهبنا يميناً أو شمالاً, تواجهنا, وتصرخ في وجوهنا.
مآسي المسلمين في فلسطين.. في البوسنة والهرسك.. في الشيشان.. في كشمير.. في الفلبين.. في السودان.. في العراق.. في أفغانستان.. في الصومال.. في الجزائر.. في بلاد شتى, لا أستطيع أن أعدّد مجرد تعديد مآسي المسلمين التي نواجهها, كلّما قرأنا أو سمعنا نشرة الأخبار.
المسلمون تكالب عليهم الأعداء, تداعت عليهم أمم الكفر, كما تتداعى الأكلة على قصعتها, طمع فينا الطامعون, طمع فينا من لا يدفع عن نفسه, حتى اليهود –أحرص الناس على حياة, وأبخل الناس بنفس ومال- طمعوا فينا, وأقاموا دولتهم في أرضنا, وعلى أنقاض أهلنا أهل فلسطين, هذا ما حدث.
واجبنا في زمن السامري:
نحن الآن في الزمن الإسرائيلي.. في زمن السامري.. في زمن عبادة العجل الذهبي, الكل يهرول إلى إسرائيل.. للصداقة مع إسرائيل.. للعلاقة مع إسرائيل.. للتجارة مع إسرائيل.. للسياحة مع إسرائيل, هناك أناس يهيّئون أنفسهم لأخذ الوكالات الإسرائيلية, يريدون أن يكسبوا ولو من حرام, ولو على حساب إخوتنا الذين يعانون ما يعانون إلى اليوم, رغم ما يقال عن هذا السلام المزعوم.
أين السلام والقدس في أيدي اليهود, والأقصى أسير لدى اليهود, ولا يقبل اليهود أن يزور الناس (بيت المشرق) الذي كان لمنظمة التحرير, والمستوطنات في كل يوم تتسع وتزيد مستوطنة بعد مستوطنة, واليهود يعلنون ويتبجحون أن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل, العاصمة الموحدة, أي التي لا تقبل القسمة؟؟؟
علينا نحن واجب ديني: أن لا ننساق وراء ذلك مهما فرّط المفرّطون, أن نقاطع البضائع الإسرائيلية, إذا ترخّص المترخصون الذين يريدون الشراء بأي وسيلة, علينا نحن الشعوب أن نقاطع هذه البضائع.
الشعب المصري يذكر له بالخير, أنه - رغم الاتفاقيات التي اتفقت عليها الدولة والحكومة –رفض أن يتعامل مع إسرائيل, رفض أن يذهب إلى (تل أبيب), رفض أن يشتري البضائع الإسرائيلية. علينا أن نفعل ذلك, لا يستطيع أحد أن يرغمنا على الشراء من بضائع إسرائيل, قد تغرينا إسرائيل في أول الأمر بإرخاص بضائعها لتُعوِّدنا عليها, ولكن على المسلم أن يفطم نفسه عن هذا الأمر.
غربة الإسلام في دياره:
إننا لا نستطيع أن نشعر بفرحة العيد من أعماقنا ونحن نواجه المآسي. المتنبي قديماً جاءه العيد وهو مغترب فقال:
عيد بأيّة حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيـداء دونهم فليت دونك بيـداً دونها بيـد
كان كل ما يعكّر صفو المتنبي أنه كان غريبا عن بلده, وأن الأحبة بعداء عنه, وأنه بعيد عنهم, فكيف نشعر نحن بالعيد والإسلام نفسه غريب في دياره, والدعاة إلى الإسلام غرباء في ديارهم؟! كل أمة تتمكن من أن تقيم حياتها كما تريد, إلا أمة الإسلام. لو أراد شعب أن يقيم حياته على أساس من الإسلام, فإن العالم المتحضر –النظام العالمي الجديد كما يسمّونه – يرفض هذا, الغرب يرفض هذا, يرفض ان يقوم بلد على أساس الإسلام, كما يفعل ذلك مع السودان.
ما ذنب السودان؟
السودان لم يعتد على أحد, ما فعل شيئا, كلّ ما في الأمر أنه اتُهم بأنه يؤوي الإرهابيين! ويقول السودانيون: تعالوا هنا لتروا البلد بأعينكم إذا كان فيها إرهابيون أوْ لا, فقد فتح بابه لكل من يريد ذلك من الخبراء, ولكن ذنب السودان الذي لا يُغفر: أنه توجّه إلى الإسلام, وطبّق شريعة الإسلام, وعلّم الناس كيف يكونون مسلمين, وفتح المعسكرات التي يتعلم الناس فيها الجندية الحقيقية.. الجندية الربانية.. يصومون ويقومون ويتلون كتاب الله. وأي بلد يفعل ذلك لا بد أن يحارب, ولو تخلّى السودان عن توجّهه الإسلامي لقابلوه بالأحضان.
لماذا بلاد المسلمين وحدها التي تُحارَب هذه الحرب؟
لماذا لا يسمح لنا نحن المسلمين بأن نقيم إسلامنا إذا أردناه؟
كل أمة تستطيع أن تكيّف حياتها وفق ما تريده شعوبها إلا المسلمين, ليس لهم ذلك. الشعب الجزائري اختار الذين يمثلون الإسلام في انتخاباته, ولكن العالم الغربي أبى على الشعب الجزائري هذا الاختيار, وفرض عليه الحكم العسكري, ولم تهدأ الثائرة, ولم تجف الدماء من يومها إلى اليوم.
الإسلام يحارب في كل مكان تحت أسماء شتى, أحيانا تحت اسم التطرف, وأحيانا تحت اسم العنف والإرهاب, وأحيانا تحت اسم الأصولية, وأحيانا تحت عنوان الإسلام السياسي, كلها أشياء ما أنزل الله بها من سلطان, والقصد الحقيقي : حرب الإسلام.
احذروا الإسلام المعتدل:
كانوا قديما يقولون: احذروا التطرف, واحذروا المتطرفين.
أتدرون ماذا يقولون اليوم؟ احذروا المعتدلين, إنهم أشد خطرا من المتطرفين! إن الإسلام المتطرف قصير العمر, أما الإسلام المعتدل فهو الذي يبقى ولهذا كان أشد خطرا. ثم يعودون فيقولون: الإسلام لا يمكن أن يكون معتدلا, الإسلام يبدأ معتدلاً ثم يتطرف! فاحذروا هؤلاء الذين يسمون المعتدلين.
احترنا معهم, إذا اعتدلنا حذّروا منا, وإذا تطرّفنا حاربونا, ماذا نستطيع أن نفعل حتى نرضي هؤلاء؟
الله تعالى يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ..} [البقرة:120] لا يمكن أن يرضوا عنا. ويقول تعالى: {.. وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا..} [البقرة:217].
المآسي كثيرة والمبشرات أكثر:
يا أيها الإخوة:
المآسي كثيرة, ولكن المبشرات أكثر. ثقوا أن المستقبل لهذا الإسلام. أن الغد لهذا الدين.. أن النصر قادم, هذا ما لا نشك فيه.
عندنا الأدلة الكثيرة : الأدلة من القرآن, والأدلة من السنة, والأدلة من التاريخ, والأدلة من الواقع, والأدلة من سنن الله في الكون, كلها تدل على أن هذا الإسلام منتصر وأن الغد له.
القرآن يقول : {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33,32], ويقول: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
أما الأحاديث فالمبشرات فيها كثيرة, وإن كان كثير من الوعّاظ والمذكّرين ينسونها, ولا يذكرون إلا حديث: " بدأ الإسلام غريبا, وسيعود غريبا كما بدأ, فطوبى للغرباء", وحديث:
".. لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه..", وينسون هذه المبشرات العظيمة, منها :
انتشار دعوة الإسلام في العالم:
1- ما رواه تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار, ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر, إلا أدخله الله هذا الدين, بعز عزيز, أو بذل ذليل, عزًّا يعزّ الله به الإسلام, وذلًا يذلّ الله به الكفر".
اتساع دولة الإسلام
2- ورد في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "إن الله زوى لي الأرض, فرأيت مشارقها ومغاربها, وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها .." يعني: الدين سينتشر ما انتشر الليل والنهار, والدولة ستتسع لتشمل المشارق والمغارب.
خلافة مع منهاج النبوة:
3- جاء في الحديث الآخر: " تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" ثم سكت.
عودة الإسلام إلى أوربا مرة أخرى:
4- وجاء أن رومية ستفتح بعد فتح القسطنطينية " .. إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً قسطنطينية أو رومية؟ فقال: مدينة هرقل تفتح أولاً", وهي القسطنطينية, وقد فتحت منذ قرون, فتحها الشاب العثماني (محمد الفاتح). بقي أن تفتح (رومية) وهي (روما) عاصمة إيطاليا, ومعنى هذا أن الإسلام سيعود إلى أوربا مرة أخرى, بعد أن أُخرج منها مرتين: مرة أخرج من الأندلس ومرة أُخرج من بلقان, وهذا ما نوقن به.
سيعود الإسلام إلى أوربا, والغرب أحوج ما يكون إلى هذا الدين, فهو يعيش عصر القلق والمعاناة والأمراض النفسية. صحيح أنهم استطاعوا أن يصلوا إلى القمر, ولكنهم لم يستطيعوا أن يُسعدوا أنفسهم على الأرض. الذي يحقق لهم السعادة هو رسالة الإسلام.
الانتصار على اليهود:
5- وعندنا من المبشرات: أننا سننتصر على اليهود " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود, فيقتلهم المسلمون, حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر, فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم, يا عبد الله, هذا يهودي خلفي, فتعال فاقتله.
المبشرات كثيرة من السنة.
مبشرات من التاريخ ومن الواقع:
والمبشرات كثيرة من التاريخ: حروب الردة, والحروب الصليبية, وحروب التتار, انتصر الإسلام فيها. وهذه الأمة ثبتت تاريخياً أنها أصلب ما تكون عوداص, وأشد ما تكون قوة, حينما تحل بساحتها الخطوب, وتشتد عليها الكروب, وتتفاقم عليها المحن, هنا يظهر المكنون من طاقاتها, كما ظهر أيام صلاح الدين وأيام قطز, في معركة حطين ومعركة عين جالوت.
وأما المبشرات من الواقع فيكفي أن نقول: إن هذه الصحوة الإسلامية المعاصرة تدل على أن الإسلام بخير.
جاءتني منذ سنتين مراسلة أمريكية تقول لي: ما الذي يحدث في بلاد الإسلام؟ في بلاد الغرب نجد الناس يتركون الدين ويبيعون الكنائس, وأنتم عندكم هذا الإقبال الكبير على الدين!!
أجل, هذا ما لفت أنظار كل المراقبين في الغرب والشرق.
هذه قوة هذا الدين, هذا الدين ولا شك قوي بذاته, فيه قوة ذاتية داخلية, انظروا هذه الصحوة التي جمعت الشباب على الإسلام, المساجد تمتلئ بالمصلين والمصليات, المواسم في الأرض المقدسة تمتلئ بالمعتمرين والمعتمرات, ومعظم هؤلاء شباب. صلى في يوم الجمعة ليلة السابع والعشرين من رمضان حوالي مليونين, وفي المسجد النبوي مئات الآلاف, وفي كل بلاد الإسلام ملايين وعشرات الملايين, وفي المسجد النبوي مئات الآلاف, وفي كل بلاد المسلمين ملايين وعشرات الملايين قاموا تلك الليلة, هذا يدل على أن هذه الأمة بخير.
كل ما نريده من الأمة أن تستفيد من دروسها, وهذا للأسف ما نفتقده.
هل تعلمنا من مدرسة رمضان؟ المدرسة التي يفتحها الإسلام ثلاثين يوما وليلة في كل عام.
هل تعلمنا من الصيام قوة الإرادة؟ هل تعلمنا من القيام؟ هل تعلمنا من تلاوة القرآن؟ هل تعلمنا من الدروس التي سمعناها طوال هذا الشهر؟
ينبعي أن نتعلم حتى نغيّر ما بأنفسنا.
هذه الملايين التي صامت وقامت تستطيع أن تفعل الكثير لو أنها اجتمعت على منهاج واضح, ووراء قيادة إسلامية, تستطيع أن تفعل ما فعل صلاح الدين من قبل, وما فعل قطز, وما فعل المجاهدون الأولون.
الأمة فيها خير : و"لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله, لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم, حتى يأتي أمر الله, وهم ظاهرون على الناس". { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف:181].
إن المبشرات كثيرة.
مبشرات من سنن الله:
ومن هذه المبشرات: أن سنن الله معنا, إذا غيّرنا ما بأنفسنا غيّر الله ما بنا: {.. إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ..} [الرعد:11].
ومن ذلك سنة التداول.. تداول الأيام بين الأمم والأقوام: {.. وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ..} [آل عمران:140], ولهذا قيل : الدهر يومان, يوم لك, ويوم عليك, وقيل: دوام الحال من المحال. وهذه الدورة علينا, ولكن الدورة القادمة لنا إن شاء الله. كان القرن التاسع عشر قرن الرأسمالية, وكان القرن العشرون قرن الشيوعية, ولكن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن الإسلام إن شاء الله.
هذا أملنا, وهذا رجاؤنا:
سينتصر الإسلام: {.. وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ..} [التوبة:32], ولكن الإسلام إنما ينتصر بأهله:
وعادة السيف أن يُزهي بجوهره وليس يعمل إلا في يدَيْ بطل
يقول الله تعالى مخاطبا رسوله: {.. هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62], فالنصر للمؤمنين, والنصر بالمؤمنين.
حقِّقوا إيمانكم, إيماناً صادقاً يتجلى في أعمال, ويتجسد في أخلاق, ويتحدد في مواقف, والله تعالى لن يتخلى عنكم: { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160].
يا أيها الإخوة:
هذا هو العيد.. عيد الفطر, الذي أكرمنا الله تعالى به. نسأل الله تبارك وتعالى أن يعيده, ويعيد أمثاله على أمتنا, بالأمن والإيمان والسلام والإسلام والتوفيق لما يحب ويرضى.
اللهم اجمع كلمة هذه الأمة على الهدى, وقلوبها على التقى, ونفوسها على المحبة, وعزائمها على عمل الخير وخير العمل.
اللهم وفّق المختلفين من هذه الأمة, اللهم وفّق إخوتنا في أفغانستان, ووفّق إخوتنا في الصومال, ووفِّق إخوتنا المجاهدين في مكل مكان, وافتح لهم فتحا مبينا, واهدهم صراطا مستقيما, وانصرهم نصرا عزيزا.
{.. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:147].
{.. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10].
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180-182], وتقبل الله منا ومنكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.