د. يوسف القرضاوي

من كبائر معاصي القلوب: الرياء، الذي يحبط العمل، ويسلبه القبول عند الله، وإن يكن ظاهره مزوقا مزينا للناس.

وقد قال تعالى في شأن المنافقين: "يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً" (النساء:142).

وقال: "فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ" (الماعون: 4-7)

وصور القرآن إنفاق المرائي بقوله: "فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا" (البقرة:264).

وقد ذكرت الأحاديث أن الرياء ضرب من الشرك، فالمرائي لا يقصد بعمله وجه الله تعالى، بل وجوه الخلق ومحمدتهم ومرضاتهم.

ولذا يقول تعالى في الحديث القدسي: "أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشريكه". وفي رواية: "فأنا منه برئ، وهو للذي أشرك".

ومن الأحاديث الشهيرة ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة عن الثلاثة الذين أمر بهم يوم القيامة فسحبوا على وجههم إلى النار، أحدهم قاتل حتى استشهد، والثاني تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، والثالث أنفق ماله في وجوه الخير، ولكن الله العليم بالنيات والسرائر، كذبهم على رؤوس الأشهاد، وقال لكل منهم: كذبت، إنما فعلت ما فعلت ليقول الناس عنك كذا وكذا. فقد قيل!

إن التزوير من إنسان على مثله من شر الرذائل وأشنع الجرائم، فإذا كان التزوير من المخلوق على خالقه، فالجريمة أبشع وأشنع. وهذا هو عمل المرائي، يعمل لإرضاء الناس، وهو يريهم أنه يعمل لإرضاء رب الناس، كذبا وزورا، فلا غرو أن يفضحه الله سبحانه يوم تبلى السرائر، ويكبه على وجهه في النار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ــــــــ

- من كتاب "في فقه الأولويات.. دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة" لفضيلة الشيخ.