د. يوسف القرضاوي

إن المخلصين الذين يبتغون بعملهم وجه الله، يسمون فوق المنافع الذاتية والمصالح الشخصية، هم وحدهم جند الدعوات، وحملة الرسالات، وورثة النبوات، وهم الذين ينتصرون بالدعوة، وتنتصر بهم، ولو كانوا فقراء المال، ضعفاء الجاه، مغمورين في الناس، وهم الذين جاء فيهم الحديث الشريف: "رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" (رواه مسلم).

وقد روى النسائي وغيره عن سعد بن أبي وقاص ـ هو من هو سبقا في الإسلام وقرابة من رسول الله ـ أنه ظن في نفسه يوما أن له فضلا على من دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم".

وهؤلاء الضعفاء المغمورون المخلصون، هم الذين أمر الله رسوله أن يصبر نفسه معهم، ولا يفرط في واحد منهم، ولا تعدو عيناه عنهم، إلى الشخصيات المرموقة في المجتمع، من ذوي المكانة والثراء والجاه، ممن يظن أنهم ينصرون دعوته بجاههم ومنزلتهم في الناس، يقول سبحانه:(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا).

إن جندي العقيدة لا يجري وراء المطامع، ولا يخطف بصره بريق الشهرة، ولا يجذب قلبه سطوة الجاه والنفوذ، إن الدنيا ليست أكبر همه ولا مبلغ علمه، إنه ينزلها منزلتها، فلا تزن عنده جناح بعوضة عند الله تعالى، إن أكبر همه أن يتقبله الله في عباده الصالحين، وجنده الصادقين، وحزبه المفلحين.

إن وضوح هذا الهدف أمر ضروري للعاملين لنصرة الإسلام، فقد يكون هدفهم إقامة دولة إسلامية، أو حضارة إسلامية، أو مجتمع إسلامي، أو نحو ذلك من الأهداف التي يسعون إليها، ويحرصون على تحقيقها، ولكن هدف الأهداف، وغاية الغايات من وراء ذلك كله، هو: رضوان الله عز وجل وابتغاء ما عنده، ومن أجل ذلك يستمرئون المر، ويسترخصون كل تضحية مادامت في سبيل الله.

ــــــــ

- من كتاب "النية والإخلاص" لفضيلة الشيخ.