د. يوسف القرضاوي

لا شك أن هناك علمًا يختص بالدين، وهو العلم الذى أساسه وحْى الله تعالى إلى رسولٍ من رسله، كما أوحى إلى إبراهيم، وإلى موسى، وإلى المسيح عيسى ابن مريم، وإلى محمد بن عبد الله، عليهم الصلاة والسلام.

وقد حُرّفتْ هذه الكتب القديمة المنزلة على رسل الله عليهم السلام، بل بعضُها لم يعد يُعرف أصله، كما فى الإنجيل كتاب المسيح، إذ لم يعد يُعرف منه إلا ترجمات تضمنت ما كتبه البعض عن سيرة المسيح، وفيه كلمات قالها، ولكن ليس هو الكتاب المنزل من عند الله.

كما أن التوراة الأصلية التى أنزلها الله على موسى، قد دخل فيها التحريف والتغيير، كما أثبت ذلك الغربيون الأحرار، وكتبوا فى ذلك كتبا شتى.

علم التفسير:

والكتاب الوحيد الذى لم يزل كما هو منذ أنزله الله على رسوله، هو القرآن العظيم، الذى حفظه الصحابة، وكتبوه فى عهد الرسول الكريم، عن طريق كُتّاب الوحى المعروفين، وكُتِب فى عهد أبى بكر فى مصحف واحد، وفى عهد عثمان نسخ فى مصاحفَ رسمية، كُتبتْ بإجماع الصحابة، وأُرسِل منها نسخٌ إلى الأمصار، وكانت هى عُمدة الناس فى الحفظ والنقل إلى يومنا هذا، وهذا ما حفظ الكتاب العزيز، ولم يتغير منه كلمة، ولم تضف له كلمة، مكتوبٌ كما أمر بكتابته سيدنا عثمان بن عفان، ومحفوظ بقراءته وأصواته، وأنغامه ومدوده، كما كان يقرأه الصحابة رضى الله عنهم أجمعين، وصدق الله الذى قال: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [الحجر:9].

ولهذا بدأ أوّل علم فى الأمة، وهو: علم تفسير القرآن، بدأ بابن عباس ترجمان القرآن، وحبر الأمة، وتتلمذ عليه من تتلمذ من كبار العلماء، وكذلك وجد ابن عباس، ووجد أبىّ بن كعب، ووجد ابن عمر، ووجد عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، ووجدت المدارس التفسيرية المعروفة، ولها رواتها، ولها مناهجها، ولها حديث ضافٍ فى علم التفسير، ووطبقاته ورجاله، ومصادره وكتبه.

وكان هناك تفسير الرواية وتفسير الدراية، أو تفسير بالمأثور، وتفسير بالرأى، ولكل منهما رجاله، وآثاره، ومنهم من جمع بين الطريقين.

ــــــــ

- عن كتاب "موقف الإسلام من العقل والعلم" لفضيلة الشيخ.