د. يوسف القرضاوي
من قرأ قصص الأنبياء في القرآن وجد أن للعلم مكانا في كل منها، وأن العلم كان وراء كل خير أو فضل أحرزه واحد منهم.
فآدم عليه السلام ـ أبو البشر ـ إنما فضله الله على الملائكة، وأظهر تفوقه عليهم، وأنه المرشح الصالح للخلافة في الأرض، بسبب "العلم" الذي علمه الله إياه، ولم يعلمه للملائكة، ولهذا لما سألهم عن أسماء الأشياء ـ والسؤال عن الاسم يتضمن السؤال عن المسمى وخواصه ـ قالوا: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم) (البقرة:32-33).
وكذلك استطاع آدم أن يتطهر من ذنبه ـ حين أكل من الشجرة المنهي عنها ـ بما تعلمه من الكلمات التي تلقاها من ربه: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم) (البقرة:37).
ونوح ـ شيخ المرسلين ـ نجد أثر العلم في حسن دعوته لقومه، وجداله لهم حتى أفحمهم. وقالوا: (يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين، ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم، هو ربكم وإليه ترجعون) (هود:32-34).
وإبراهيم ـ خليل الرحمن ـ آتاه الله الحجة، فحاج نمروذ فأسكته، وحاج قومه فغلبهم، وقال لأبيه: (يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا)(مريم:43).
وقال تعالى في شأنه: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه، نرفع درجات من نشاء) (الأنعام:83).
ويوسف لما بلغ أشده آتاه الله حكما وعلما، وعلمه من تأويل الأحاديث تعبير الرؤى، وكان هذا العلم سببا في إخراجه من السجن، وكذلك كان العلم مؤهلا لتوليه خزائن الأرض: (قال اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظ عليم) (يوسف:55)، فالحفظ يمثل العنصر الأخلاقي، والعلم يمثل العنصر المعرفي، وكلاهما يكمل الآخر، وكلاهما ضروري لكل من يتولى منصبا قياديا.
ولقد برز يوسف في علم التخطيط الزراعي والاقتصادي في أيام الأزمات والمجاعات، ووضع خطة لخمسة عشر عاما، وتولى هو الإشراف على تنفيذها بنفسه، فأنقذ الله به مصر وما حولها من محنة كادت تودي بها.
وقال الله في شأن موسى: (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما، وكذلك نجزي المحسنين) (يوسف:22).
ولما أعلم الله موسى أن هناك رجلا عنده من العلم ما ليس عنده، سافر إليه سفرا طويلا لقي فيها النصب والعناء، وطلب إليه أن يصحبه، بل أن يتبعه ليتعلم منه مما علمه الله، وهو موسى الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه، فاشترط عليه أن يصبر على ما يراه منه، ولا يبادره بالسؤال حتى يبين هو له، وقبل موسى هذا الشرط: (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا، قال إنك لن تستطيع معي صبرا، كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا، قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا، قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا) (الكهف:66-70). وفي قصة داود وسليمان قال تعالى: (ولقد آتينا داود وسليمان علما، وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين، وورث سليمان داود، وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء) (النمل:15-16).
ونجد علم سليمان يتجلى في فهم كلام النملة مع النمل، وفي كلام الهدهد الذي أدل عليه بالعلم، وقال له: (أحطت بما لم تحط به) (النمل:22).
وفي قصة سليمان مع ملكة سبأ، نجد أن الذي أحضر عرشها من اليمن إلى الشام قبل أن يرتد إليه طرفه إنما هو: (الذي عنده علم من الكتاب) (النمل:40).
كما امتن الله على داود بتعليمه صناعة الدروع: (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم) (الأنبياء:80).
وفي قصة طالوت بين الله تعالى أنه اختاره لزعامة القوم وقيادتهم بسبب مؤهلاته العلمية والمادية: (قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم) (البقرة:247).
وقال عن المسيح عيسى: (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل) (آل عمران:48).
وقال عن خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيما) (النساء:113).
ــــــــ
- عن كتاب "الحياة الربانية والعلم" لفضيلة الشيخ.