د. يوسف القرضاوي

نشرت جريدة الوطن في 27 شواء 1421هـ الموافق 22/1/2001 مقالة لفضيلة الأخ الدكتور علي السالوس حول قصة الـ 3% لبطاقات الائتمان، وأدب الخلاف، وجرأة الصغار على الفتيا.

وبما أن المقالة ذكرتني وأسندت إلي، وإلى بعض أعضاء الهيئة أقوالاً أرى من الضروري نشر رسالتي هذه ولي على مقالته الملاحظات التالية:

أولاً: إن أعضاء هيئتي الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي وبنك قطر الدولي الإسلامي لم يغيروا رأيهم حول ما جاء في فتواهما من جواز أخذ النسبة على المبالغ المسحوبة عن طريق بطاقات الائتمان، إذ أنها ليست في مقابل الزمن ولا في مقابل المبلغ نفسه، وإنما هي في مقابل الخدمات والأعمال والمصاريف التي تقوم بها الجهات المصدرة لبطاقات الائتمان، وإلا فالمبلغ المقطوع غير جائز لو كان في مقابل إقراض المبلغ نفسه، ولكن الهيئة طلبت بإلحاح من المصرفيين الإسلاميين أن يسيروا على المبلغ المقطوع دون النسبة خروجاً من الخلاف، ووافقا على ذلك على شكل شرائح، فالهيئة ترجح المبلغ المقطوع، ولكنها لا تحرم أخذ النسبة للأدلة المذكورة في الفتوى.

ثانياً: إننا لا نتفق مع الشيخ علي السالوس في منهجه في الخلاف، فهو يرى في كثير من الأمور أن العلماء يزلون وأنه معصوم من الزلل وأن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ، وأن رأي غيره خطأ لا يحتمل الصواب، في حين أن منهج علماء السلف الصالح وفقهائهم من الأئمة الأربعة وغيرهم يرون أن رأيهم صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرهم خطأ يحتمل الصواب، بل أن بعضهم يرى أن كل رأي يصل إليه المجتهد صواب، وهم الذين يسمونهم (المصوبة) وقد يترك رأيه إلى رأي آخر خروجاً من الخلاف.

فقد جربنا الشيخ السالوس إذا رأى رأياً تشدد فيه ولا يقبل بخلافه، ففي هذه المسألة ومسألة أخذ الأجرة بالنسبة لخطاب الضمان وجدنا فقهاء كباراً يرون جواز الأخذ بالنسبة، منهم الشيخ عبدالله بن منيع، والقاضي تقي العثماني، والدكتور عبدالستار أبو غدة، والدكتور نزيه حماد وغيرهم، ولا غرو أن أخذت بها بعض المصارف الإسلامية.

ونحن في فتوانا احترمنا رأي من يقول بالأجر المقطوع، بل فضلناه على أخذ النسبة، وهكذا ينبغي أن يحترم الرأي الآخر، فالشيخ السالوس جعل الرأي المخالف كأنه يحل الربا المحرم، وهذا ما لا ينبغي أن يقال. وقد جاء في الحديث أن من الثلاث المهلكات "إعجاب المر برأيه".

ثالثاً: وصف في مقالته أحد أعضاء الهيئة بأوصاف لا تليق بالشيخ السالوس أن يخوض فيها، فقال "قد اجترأ على الفتوى تلميذنا الصغير بغير أهلية ولا علم" ثم قال "الخلاف بيني وبين تلميذي الصغير المبتدئ في الدراسات العليا" وكأنه صبي في الكتاب، ومن المعلوم أن التلميذ لا يبقى تلميذاً، بل قد يتفوق على أستاذه، وليس بالضرورة أن يبقى التلميذ تلميذاً إلى الأبد، وأن الشخص المقصود شغوف بالعلم، والتحصيل، وله بحوث وكتابات اطلعت عليها تدل على سعة اطلاعه وسلامة منهجه ولهذا اختارته الشركات الإسلامية عضواً في هيئتها الشرعية، وكنت أود أن يفرح الشيخ السالوس بنجابة تلامذته، ومخالفته لهم، لا أن يريد بقاءهم في أسره وأسر آرائه.

ومن الناحية الإسلامية لا يجوز تحقير مسلم مهما كان، ولا الاستهزاء به، ولا التشهير به، فقد قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تلامزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون).

وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".

(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).