السؤال: كيف تقرَر كون السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، وتلك غير واجبة؟
جواب سماحة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه
كلمة السنة تطلق ويراد بها عدة معان، فعند الأصوليين: يقصد بالسنة: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.
فهي هنا مصدر من مصادر التشريع أو دليل من الأدلة.
وهنا تقابل بـ (الكتاب) يقال: هذا أمر ثابت بالكتاب والسنة.
وُيقصد بالسنة أحيانًا: الأمر المشروع، ومقابلة: البدعة. يقال: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة.
ويُقصد بالسنة عند الفقهاء: أحد الأحكام الشرعية الخمسة: الفرض، السنة، والحرام، والمكروه، والمباح. وقد يعبر بكلمة (المندوب) أو (المستحب) بدل كلمة (السنة) .
ويبدو أن السائل يريد أن يسأل عن الأمور التي تثبت بالسنة النبوية، بدلالة الأحاديث الشريفة: ما يُعَدُّ منها واجبًا؟ وما يُعَدُّ منها غير واجب؟
ولا نستطيع أن نجيب عن هذا السؤال، إلا إذا عرفنا بماذا أثبت هذه السنة: أبالقول أم بالفعل أم بالتقرير؟
أما الفعل والتقرير، فلا يدلان - بذاتهما - على أكثر من المشروعية، فإنه عليه الصلاة والسلام لا يفعل محرمًا، ولا يقر باطلاً، وإذا ظهر من الفعل قصد القربة إلى الله تعالى أفاد الاستحباب، وأما ما ثبت بالقول، فينبغي أن ننظر إلى صيغة القول ودلالتها، سواء كانت أمرًا أم نهيًا، تحفُّهُ قرائن أو لا تحفه.
والذي يتضح لي من استقراء أحكام الفقهاء واستنباطهم -ما عدا الظاهرية- أن الأمر في السنة محمول على الاستحباب، ما لم يقترن بما يدل على الوجوب، كذلك النهي دل على الكراهية، ما يقترن بما يدل على التحريم (1).
فإذا أخذنا مثلاً قوله عليه الصلاة والسلام: "سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بيمينك، وَكُلْ ممَّا يليك" (2)؛ نجد أن هذه الأوامر النبوية تدل على الاستحباب، ولكن قوله "وكل بيمينك" دل على الوجوب، ولكن بحديث آخر، وهو "لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله" (3)، فإن نسبة الأكل بالشمال والشرب بالشمال إلى الشيطان: تدل على حرمته، ومقتضاه أن يكون الأكل باليمين، والشرب باليمين.
.....
(1) يراجع في ذلك: شرح تنقيح الفصول، للإمام القرافي، الناشر: شركة الطباعة الفنية المتحدة، الطبعة: الأولى، 1393 هـ - 1973 م، 1/ 289، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، عياض بن نامي بن عوض السلمي، الناشر: دار التدمرية، الرياض - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1426 هـ - 2005 م، 1/ 222 - 225.
(2) متفق عليه: رواه البخاري في الأطعمة (5376)، ومسلم في الأشربة (2022)، عن عمر ابن أبي سلمة رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم في الأشربة (2020)، وأحمد (5514)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.