د. يوسف القرضاوي

القاعدة العامة في الكسب أن الإسلام لا يبيح لأبنائه أن يكتسبوا المال كيفما شاؤوا، وبأي طرق أرادوا؛ بل هو يفرق لهم بين الطرق المشروعة وغير المشروعة لاكتساب المعاش؛ نظرًا إلى المصلحة الجماعية، وهذا التفريق يقوم على المبدأ الكلي القائل بأن جميع الطرق لاكتساب المال التي لا يحصل المنفعة فيها لفرد إلا بخسارة غيره؛ غير مشروعة، وأن الطرق التي يتبادل فيها الأفراد المنفعة فيما بينهم بالتراضي والعدل مشروعة.

وهذا المبدأ يبينه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} (النساء:29-30)، فقد شرطت هذه الآية مشروعة التجارة بأمرين:

الأول: أن تكون هذه التجارة عن تراض بين الفريقين.

الثاني: ألا تكون منفعة فريق قائمة على خسارة الفريق الثاني.

وذلك ما يوضحه {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} من هذه الآية، وقد فسّره المفسرون على معنيين ينطبق كل منهما على هذا المقام، فالمعنى الأول: أن لا يقتل بعضكم بعضًا. والمعنى الثاني: أن لا تقتلوا أنفسكم بأيديكم. فمؤدى هذه الآية على كل حال: أن كل من يضر غيره لمنفعته الشخصية فكأنه ينزف دمه ولا يفتح طريق الهلاك إلا على نفسه في نهاية الأمر. فالسرقة، والارتشاء، والقمار، والغرر، والخديعة، والتدليس، والربا، وكثير غيرها من طرق الكسب يوجد فيها كل من هذين السببين لعدم المشروعية. وإذا كان يوجد في بعضها شرط التراضي، فإنه يعوزه الشرط الذي يتضمنه قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}.

.....

- المصدر: "الحلال والحرام في الإسلام" لفضيلة الشيخ.