السؤال: أنا طالب، عشت سنوات قليلة مع أهلي في غاية السعادة، ثم توفي أبي، وبعد أن انتهت أمي من العدة تزوجت رجلا آخر، عشت سنتين مع أمي وزوجها، ثم طردني عمي من البيت، وخرجت بلا أب ولا أم ترحمني، ولا أعرف أهلا لي.. فهل أنتحر؟ أم أصبر؟ أم ماذا؟ أنا الآن في المرحلة الثانوية، وفي القسم الداخلي.

 جواب فضيلة الشيخ:

 بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أما أنت يابني فليس لك إلا الصبر الذي أمرنا الله أن نستعين به وبالصلاة على شدائد الحياة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:153) الصبر مفتاح الفرج، إن شاء الله.

والمفروض في المسلم أن يواجه الحياة برباطة جأش، وبنفس قوية، وإرادة حديدية وأن يكون أقوى من الأحداث، بتوكله على الله، واستمساكه بعراه، واعتصامه بحبله. أن يكون واثقًا من الله عز وجل، وأن الغد سيكون له، وأن بعد الليل فجرًا، وأن مع العسر يسرًا، فدوام الحال من المحال.

إن كثيراً من الناس الذين نسمع عنهم في التاريخ، إنما تربوا في مدرسة الألم والحرمان، إن الله سبحانه أراد لأنبيائه أن يتألموا من صغرهم، لم نر نبيًّا ولد منعمًا مرفهًا في فمه ملعقة من ذهب كما يقولون.

الأنبياء ولدوا في أحضان الألم

الأنبياء… أكثرهم ولد في مهد الألم وفي أحضان العذاب. سيدنا موسى عليه السلام منذ لحظة ولادته يرمى في البحر، حيث أوحى الله إلى إمه أن ألقيه في اليم، ولا تخافي ولا تحزني. ثم يلتقطه عدو لله وله، فرعون، الذي كان يقتل الذكور من بني إسرائيل حتى يتخلص من موسى، وتحدث المعجزة الإلهية، فيتربى موسى في بيت فرعون، وينشأ وينمو في حجره.

سيدنا يوسف عليه السلام نقرأ في القرآن الكريم قصته، ونعرف كيف تجرع العذاب منذ نعومة أظافره.. حسده إخوته، ثم أرادوا أن يقتلوه ليتخلصوا منه. واقترحوا أن يلقوه في الجب، وأُلقي فعلا، ثم استُخرج منه، وأُخذ إلى سوق الرقيق، حيث بيع كما تباع الشياه، ثم استُخدم في البيوت كما يخدم العبيد، ثم اتهُم بالفاحشة كما يتهم الفسقة، ثم أُلقي في السجن بضع سنين، كما يلقى المجرمون.

 وبعد هذا، ماذا كان؟

بعد هذا الابتلاء مكنه الله في الأرض، وصار عزيز مصر، وصارت له الكلمة النافذة في يده المالية والتموين وأمور الاقتصاد كلها، في تلك الظروف القاسية والمجاعة الرهيبة التي عمَّت بلاد الشرق يومئذ.

كل هذا بفضل الصبر، كما قال الله في قصة يوسف: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:90).

التقوى والصبر هما مفتاح النصر، وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة، أما الانتحار، فليس فكرة تراود مسلمًا.

روح الإنسان ليست ملكه

للأسف إن كثيرًا من القصص والروايات والمسرحيات التي تكتب للمسلمين معظمها تنتهي بالانتحار.. كأنه ليس هناك ما يتخلص به الإنسان، ويلوذ بكنفه من الحياة الكئيبة أو من مآزق هذه الدنيا إلا أن ينتحر. لا.. إن روح الإنسان ليست ملكه.. إنما هي ملك الله عز وجل. فليس له أبدًا أن يفرط في هذه الأمانة، وهذه الوديعة، وأن يفارق الحياة بالانتحار.

الانتحار كبيرة من أعظم الكبائر.. تكاد تقارب الكفر- والعياذ بالله - لما تحمل وراءها من معنى اليأس من رحمة الله، والله تعالى يقول: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف:87). 

أوصي هذا الطالب أن يصبر وأن يثبت بعزيمة قوية، وإرادة فولاذية، بإيمان صلب، يستهين بالمعوقات، ولا يبالي بما في الحياة من عذاب.. وعسى الله تعالى أن يطلع له الفجر، فإن الفجر لا يأتي إلا بعد أحلك ساعات الليل ظلامًا، وهو آت إن شاء الله، ولا ريب فيه.. وليستقبل الحياة بصبر جميل والله يوفقه ويسدد خطاه، وعسى أن يكون في المجتمع من يسمع هذا فيرعى شأنه، فإن من أعظم الأعمال مواساة اليتيم والإحسان إليه، وخير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه.

والله أعلم