الإرهاب هو الذي يقتل الناس البرآء بغير حق ولا يميز بين بريء ومسيء، ويستخدم المدنيين في تحقيق أغراضه، أنا منذ سنين طويلة، منذ خطفت الطائرة الكويتية وقتل أحد ركابها ورمي من فوق كأنه لا بشر ولا إنسان له كرامة وهُشم وجهه ورأسه، منذ ذلك الحين أصدرت فتوى بتحريم خطف الطائرات واعتبار ذلك عملاً إرهابياً وعملاً مجرما ومحرماً ولا يجوز؛ لأن خطف الطائرة، ما ذنب الركاب، ربما يكون أنت وربما يكون أنا وقد يكون ابني وابنك أو أخي أو أخاك، قد يكون هؤلاء أحد الركاب.
ما ذنبنا حتى تخوف بنا حاكما أو تخوف بنا حكومة أو تهدد بنا آخرين، أو تطلب بنا أشياء وتعرضنا للخطر، منذ ذلك أصدرت فتوى بتحريم خطف الطائرات حينما فعل أبو سياف في جنوب الفلبين، خطف بعض الرهائن من الغربيين ومن الفلبينيين وهدد بهم الحكومة، إما أن تدفعوا ذلك، وإما أن أقتل هؤلاء الرهائن، أنا حرّمت هذا وأنكرت هذا وذكرت على هذا المنبر هذا الأمر..
لا يجوز أن يستخدم المدنيون أدوات للتأثير على الآخرين أو تهديدهم، ولذلك لا نجيز أن تستخدم الطائرات المدنية أن تكون أدوات لتهديد الآخرين، ما ذنبي أنا إذا كنت راكباً هذه الطائرة وأنت تريد أن تحقق هدفاً، تقتلني وأنا لم أقدم نفسي؟
الذين كانوا يركبون هذه الطائرات الأربع قطعاً أناس لا ذنب لهم، لا ناقة لهم ولا جمل، ولا عنزة لهم ولا حمل فيما يجري في أمريكا، ما ذنبهم حتى تضرب بهم مركز التجارة العالمي، هذا لا يجوز، والذين في مركز التجارة العالمي هم أناس أيضاً مدنيون وبعضهم مسلمون، في مركز التجارة العالمي حوالي 2500 مسلم وكانوا يجتمعون في كل جمعة يصلون، كما قال لي بعض الأخوة حوالي 1500 يصلون الجمعة في هذا المكان، ما ذنب هؤلاء؟
أنا أريد أيها الأخوة أن تحرروا مشاعركم وتضبطوها بأحكام الشرع، لا ينبغي أن نتجاوب مع كرهنا لأمريكا أن نجيز مثل هذه الأعمال، هذه الأعمال ندينها ونجرمها؛ لأن الإسلام يُحرِّم تحريماً قاطعاً ضرب المدنيين أو قتل المدنيين أو قتل من لا يُقاتِل، هذا ما أوضحناه من أول يوم، أصدرت بياناً أنكرت فيه هذه الأعمال، والنبي صلى الله عليه وسلم، حينما وجد امرأة في إحدى الغزوات مقتولة غضب وأنكر على أصحابه وقال لهم "ما كانت هذه لتقاتل"، يعني لماذا تُقتل؟ إذن لا يقتل إلا من يُقاتِل، من يحمل السلاح، فهذا هو الإرهاب.
وبنيت هذه الفتوى على ثلاثة أمور:
الأمر الأول: هو تحريم العدوان العدوان على الحياة الإنسانية، يعني حياة الناس وحرمات الناس وحريات الناس لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم في أنفسهم، ولا في أموالهم، ولا حرياتهم بغير حق، حتى لا يجوز للإنسان أن يتجسس على إنسان.. {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا..} يعني معناها إن الإنسان يجب أن يظل في أمان وطمأنينة على حياته كلها، فتحريم العدوان من ناحية.
الأمر الآخر: تحريم تحميل وزر الإنسان لإنسان آخر.. القرآن الكريم يقول {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى* وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} يعني هذا أمر قررته كتب السماء من عهد إبراهيم إلى موسى إلى محمد ألا تزر وازرةٌ وزر..، كل إنسان يتحمل إثم نفسه، ما تجيش تعاقبني بذنب آخرين، إنك لك مشكلة مع حكومتك أو مع أي حكومة فتعمل لك مطالب، يا تقتل الناس دول، أنا ذنبني إيه أنا؟!! فهذا الأمر الثاني.
الأمر الثالث: هو أن الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة، قد يكون لهؤلاء أهداف نبيلة، قد تكون لهم غايات شريفة، إنه يريد أن يقيم عدلاً، يريد أن يحرر مسجونين يعني أخذوا بغير حق، يكون له مطالب عادلة، جايز يكون هذا، ولكن لا يجوز تحقيق الأهداف النبيلة بوسائل غير نبيلة.
يعني إذا كانت هناك في بعض الفلسفات زي فلسفة "ميكافيللي" إنه "الغاية تبرر الوسيلة"، الإسلام لا، الغاية فيه لا تبرر الوسيلة، لا يصل إلى الغاية الشريفة إلا بالوسيلة النظيفة، لابد من شرف الغاية وطهر الوسيلة معاً؛ ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً"، وهذه من أخلاقية الإسلام، إنه القيم الأخلاقية تحكم كل شؤون الحياة فمن أجل هذا يعني أصدرت هذه الفتوى بتحريم خطف الطائرات.
ومنذ سنة -يمكن تذكر إنه في هذا البرنامج وفي خطبتي على منبر مسجد عمر بن الخطاب- حرَّمت ما تفعله جماعة أبو سياف في الفلبين، حيث تخطف أناس من الأوروبيين، أو من الأميركيين أو من الفليبينيين، أو من أجناسٍ شتى، وتجعلهم رهينة عندها تهدد بقتلهم لتحقيق أشياء تطلبها هي، قد تطلب فدية، قد تطلب مش عارف أيه، وقد تقتل بعض هؤلاء الناس، هذا أيضاً أنكرته، لا يجوز إن الإنسان يتخذ رهينة وهو مالوش ذنب، إنسان سائح عادي أو.. أو نحو ذلك.
وقبل ذلك حينما حدثت "مذبحة الأقصر" في صعيد مصر أنا يعني خطبت خطبة يعني شهيرة في ذلك الوقت تحدثت عنها وكالات الأنباء العالمية، ودنت هذا العمل؛ لأنه عمل إجرامي، إنسان جاي لك دخل بأمان في بلدك تقتله لأنك عندك مشكلة مع حكومتك!! وأنا مالي يا أخي وما..؟! يعني فهذه أعمال مجرمة تجريماً لاشك فيه.